يعرف رد الاعتبار على أنه نظام يقصد به منح المحكوم عليه بالعقوبة فرصة لإزالة الأثر المستقبلي للحكم، الذي سبق صدوره ضده، فيسترد بذلك اعتباره ومن ثم يسهل عليه العودة إلى الاندماج ثانية إلى المجتمع.
مقارنة بين التشريع الاتحادي والتشريع المحلي لإمارة الشارقة بشأن رد الاعتبار
- إن المشرع المحلي لإمارة الشارقة أشار برد الاعتبار في الجنايات لجرائم الحدود الزنا، والحرابة، والسرقة، وحدي الشرب والقذف. -رد الاعتبار الآخر مع رد الاعتبار القانوني بمثابة رد اعتبار إداري، لأنه يصدر من لجنة مشكلة لذلك، ويصادق عليه سمو الحاكم ثم يرسل للمحكمة للتأشير على الحكم فقط ولا حاجة لصدور حكم به.
- المقارنة بين القانونين في سياق توجهنا:
- بالمقارنة السريعة بين التشريعين نجد أن التشريع الاتحادية هو الأحدث قد أشار إلى نوعين من رد الاعتبار القانوني والقضائي، في حين أشار التشريع المحلي لإمارة الشارقة لقانون رد الاعتبار القانوني والإداري، حيث منحت اللجنة المشكلة لهذا الغرض والمكونة من:
- مدير عام الشرطة في الإمارة
- المستشار القانوني لحكومة الشارقة
- ورئيس النيابة العامة بالشارقة
- رئيس المحكمة الابتدائية بالشارقة
سلطة إصدار قرار برد الاعتبار دون حاجة لحكم من محكمة، وبعد مضي مدد أقل مما أشار له القانون الاتحادية في رد الاعتبار القضائي، بمضي سنة في عقوبة الجناية أو حد السرقة، أو القتل أو الحرابة، أو عقوبة جنحة مخلة بالشرف، والأمانة أو في حدي الشرب والقذف، و4 أشهر في عقوبة الجنح غير المخلة بالشرف والأمانة، أو عقوبة تعزيرية لا تتجاوز مدة الحبس فيها عن 3 سنوات.
الملاحظة الأخرى: هي أن المدد التي يتم بعدها رد الاعتبار القانوني في التشريعين متساوية هي 5 سنوات في عقوبة الجنايات و3 سنوات في الجنح، ولكن المشرع المحلي لإمارة الشارقة أضاف للعقوبات في الجنح عقوبة الحدود "الردة، والقتل والحرابة" وعقوبة حدي الشرب والقذف.
إلا أن المشرع الاتحادي أضاف إلى عقوبة الجناية والجنحة لنوعي رد الاعتبار القانوني والقضائي عبارة المخلة بالشرف والأمانة.
كما أنه في حالة الجنح أو سقوط العقوبة بمضي المدة، فإن رد الاعتبار يكون بعد مضي 5 سنوات وليس 3 سنوات، كما هو الحال في رد الاعتبار القانوني بشأن الجنح الأخرى.
وملاحظة ثالثة: هي أن رد الاعتبار القضائي في التشريع الاتحادي يستوجب تقديم طلب للنيابة العامة من الطالب مرفقاً به صورة من الحكم والصحيفة الجنائية، وتقرير عن السلوك خلال مرحلة التنفيذ، وتقرير من الشرطة عن سلوكه في أماكن تواجده بعد تنفيذه للعقوبة، كما للمحكمة سماع أقوال مقدم الطلب ولها استيفاء أي بيانات أخرى تراها ضرورية.
ورد الاعتبار القضائي يصدر من محكمة الجنايات، وبعد مضي سنتين في عقوبة الجنايات وسنة في حالة عقوبة الجنحة، وتضاعف في حالة العودة، لتبقى 4 سنوات في الجنايات وسنتان في الجنح.
ومما سبق نستطيع القول: إن المدد في رد الاعتبار غير القانوني، وسلطة إصداره في التشريع المحلي لإمارة الشارقة، والذي تم إيقاف العمل به بصدور التشريع الاتحادي الأحدث، أكثر ملائمة من وجهة نظرنا للظروف الحالية، من حيث السرعة وعدم الانتظار لحين صدور رد الاعتباري ولخصوصية اللجنة عن الحضور أمام المحكمة وفي حضرة الجميع.
تساؤلات حول رد الاعتبار
لماذا لا يكتفى بالعقوبة، وبعدها يصبح الشخص متحرراً من أي قيد؟ حيث يعرف التزاماته ويسهل عليه تنفيذها والأشراف على ذلك خلال فترة التنفيذ العقابي وهو بداخل المنشأة الإصلاحية والعقابية، وأن تنص على مدة رد الاعتبار كل عقوبة، لأن ظروف ارتكاب الجريمة وظروف كل شخص تختلف عن الآخر فهل يخضع كل متهم ومدان لنفس المدة لرد اعتباره؟ لماذا التعميم؟
في ظل أن الحقيقة نوعان حقيقة واقعية يصعب بل يندر الوصول إليها، والحقيقة القانونية هي القدر من المعرفة بالحقيقة، التي تمكنا من الوصول إليها، وهي التي تحدد ظروف الشخص وظروف ارتكاب الجريمة، فكم من الأشخاص تم استفزازهم وجرهم لارتكاب الجريمة دون قصد مسبق منهم؟ لكنهم لم يستطيعوا أثبات ذلك فتمت إدانتهم، لأن قدر الحقيقة المتوافرة في مواجهتهم يربطهم بارتكابها دون البحث عن سبب الارتكاب، أو عدم القدرة إلى الوصول إليه.
وفي حالات أخرى كتواجد البريء الذين أدين في مكان الحادث أو الإمساك بأداة الجريمة، أو تلطخ ملابسه بآثار الجريمة كالدم أو غيره، مما اعتبر قدراً كافياً بالنسبة للجريمة، خصوصاً لو لم تكن هناك خيوط أخرى، ويصعب عليه تقديم دليل براءته لدحض ما ثبت في مواجهته من أدلة أو قرائن، فيتساوى المجرم الخطير بالبريء المظلوم، أو المجرم بالصدفة نتيجة استفزاز أو ظروف قهرية في مدة رد اعتباره.
فهل من المتصور أن يحقق مبدأ رد الاعتبار الهدف منه في ظل المجتمعات الحديثة المتشعبة العديدة وكبر حجمها وزيادة أعدادها؟ أم هو تصور وضع للماضي للمجتمعات الصغيرة المحدودة، بأشكالها السابقة وأعدادها التي كانت، فكل من يرى جاره وزميله وربما يزدريه لأنه يراه دون عمل، أما اليوم فمن يرى الآخر إلا بعد شهور وإن كان يقيم معه في نفس المنطقة، ولا يعلم به إن كان يعمل أم لا، ولا حتى يسأل عن عمله ومكانه ونوعه، لأنه لا يعنيه وليس لديه وقت للسؤال عن خصوصية الآخر.
فحالات عديدة تجدها تبحث عن عمل والعائق شهادة السيرة والسلوك، وهي عنوان رد الاعتبار لكي يحصل الشخص على عمل في وظيفة معينة خصوصاً لو كانت في القطاع العام.
ولكن دون جدوى وعلى المعني انتظار مرور المدة ماذا سيعمل خلال تلك المدة؟ وكيف سيتصرف ويقضي وقت فراغه؟ وكيف سيصرف على نفسه أو على أسرته؟ وما هو دور الجريمة المنظمة منه؟ وهل ستتركه أم ستتلقفه وتحت وطأة الحاجة قد ينساق إليها ويستجيب لمطالبها؟ وهل هناك مراقبين ميدانيين لمراقبة ذلك؟
فصحيح أن في فترة التنفيذ العقابي بداخل المؤسسات العقابية يصعب فيها مراقبة سلوك المحكوم والحكم عليه، لأن البيئة الخارجية تختلف عن البيئة الداخلية ومن الضرورة أيضاً متابعة سلوك الشخص خارج المؤسسات العقابية والإصلاحية للقول بأن سلوكه أستقام، ولكن يجب أن تضمن العقوبة فترة اختبار خارجي لمراقبة سلوك الشخص تحت شروط العودة لاستكمال العقوبة، وإذا لم يستقيم سلوكه، على الأقل للتحقق أن المعني أستقام سلوكه، ولا خوف عليه من العودة مرة أخرى إلى طريق الجريمة.
ولكن هناك أساليب أخرى تعزز من هذا وهو إيجاد مصدر دخل، أو وسائل إعاشة كافية لحين المرور بفترة الاختبار، لا أن يترك الشخص في انتظار مرور فترة الاختبار ليتقدم للحصول على رد اعتباره.
وموضوع آخر هو توجيهات المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وأحسن مثواه وأنزله منزل النبيين بأن يمكن كل مواطن من التقدم للعمل بغض النظر عن أنه لم يحصل على شهادة برد اعتباره، ولكن مجرد أن تقوم النيابة العامة بمنح هذا الشخص رسالة بلا مانع من تعيينه هي أمر كاشف أنه شخص سوي أو إن لم يحصل على شهادة سيرة وسلوك عادية
وهذا قرار هام و في قمة الإنسانية وبعد النظر من قائد فذ لا يعوض، وعلى النيابة العامة أن تحسن تنفيذه عل النحو المطلوب، وبما يرتقي لمستوى هذا القرار الإنساني، رحم الله القائد المؤسس زايد الخير رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته.
والمقترح أن تصدر النيابة العامة تنفيذاً للأمر السامي خطاباً للشرطة التي بموجبها تمنح الشخص المعني شهادة سيرة وسلوك غير مشار لها لجريمته أو أنه نفذ العقوبة.
لكن هل تربط مدة العقوبة بالمدة اللازمة للعلاج الذي من المفترض أن يخضع له لمحكوم عليه لاستئصال مسببات الإجرام لديه؟ وإن لم تكف يمكن العودة للمحكمة لزيادة المدة أو تقصيرها، وهل يعتبر رد الاعتبار مبدأ قاسياً في ظل ظروف العصر الراهنة؟
نرى أن الأمر قاسياً، فبعد مضي فترة العقوبة، ولتكن الحبس أو السجن "في حال كانت العقوبة سالبة للحرية" وخروج المحكوم سواء كان عازباً أم معيلاً لوالديه أو متزوج ورب أسرة، وعليه انتظار ما يسمح له بالتقدم لوظيفة خصوصاً في القطاع العام وأيّاً كانت المدة ونوع رد الاعتبار قانوني، أم قضائي فالمدة ليست بالقصيرة ماذا عسى هذا الأنسان فاعل في انتظار مرور تلك المدة؟ وأين مصدر رزقه؟
ألا يمكن أن يجره ذلك إلى ارتكاب وسائل غير مشروعة لتوفير الرزق، سرقة كانت أم نشلاً أو حتى تحرير شيكات دون رصيد وغيرها، أو أن يستغل من قبل بعضهم للقيام بأعمال غير مشروعة مقابل مبلغ معين.
خرجت بعض المؤسسات الشرطية عن قسوته بمنح النزيل حسن السيرة والسلوك خلال مرحلة التنفيذ العقابي بالمنشأة العقابية، أي شهادة بحسن السير والسلوك دون الرجوع لمبدأ فترة رد الاعتبار، وهذه تعد مبادرة واعية راعت فيها ظروف النزيل وحمته من الرجوع لطريق الجريمة مرة أخرى.
وجدير بالمشرع التقاط تلك الفكرة على نحو يدفع لتعديل رد الاعتبار أو دمجه بفترة العقوبة أو إلغائه.
الخلاصة :
نطرح هذا الموضوع داعين المشرع الإماراتي إن وجد رأينا في محله التدخل بإلغاء أو تقصير مدة الحصول على رد الاعتبار، لتمكين المحكوم عليه من الحصول على شهادة سيرة وسلوك، ليتمكن بالتالي من إيجاد فرصة عمل له، ونقدم خلاصة لما سبق طرحه من الأفكار التالية:
1) الاكتفاء بالعقوبة وإلغاء ما يسمى برد الاعتبار وإدماجها بمدة العقوبة، وتضمين فترة عقوبة سلب الحرية وخصوصاً الفترة الأخيرة من سلب الحرية فترة مراقبة سلوك مشددة لإعداد تقرير عن سلوكه وتصرفاته، واعتبار أن قضاء مدة العقوبة وسيرة الشخص الحسنة بالمنشأة الإصلاحية والعقابية، كافية لحصول الشخص على شهادة بحسن سيرته وسلوكه وبالتالي الحصول على فرصة للعمل.
2) نرى أن توجه رسالة النيابة للمواطن للعمل بناء على التعليمات السامية للمغفور له بإذن الله القائد والمؤسس الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، إلى الشرطة لمنح شهادة حسن سيرة وسلوك، لا يشار فيها إلى الجرم المرتكب، وتكون الرسالة الصادرة من النيابة العامة موجة للشرطة فقط، وسرية وبناء عليها تصدر شهادة السيرة والسلوك ولا تكون مميزة لا برقم ولا بخلافه، بدلاً من منح النيابة العامة رسالة لجهة العمل، أو لمن يهمه الأمر بلا مانع من التوظيف بناء على التعليمات السامية لأن الرسالة في حد ذاتها تكشف أن حاملها مرتكب لجريمة ما.
3) إن كان في إرادة وتصور المشرع الإبقاء على مبدأ رد الاعتبار، البحث في فكرة تخصيص مبلغ يحدد كراتب أو مكافأة للمنتظر صدور رد اعتباره، وذلك بعد دراسة حالة الشخص وحجم أسرته، وإن كان هو المعيل الوحيد ولمدة معينة حتى يحصل على شهادة السيرة والسلوك، وليس حتى الحصول على عمل حتى لا يتمادى الحاصلون عل الراتب ويتقاعسون عن العمل، فالمعني بإيجاد فرص العمل، جهات أخرى كالموارد البشرية.
4) في هذه الحالة الأخيرة تقصير مدد الحصول على رد الاعتبار إلى أقصر مدة.
5) ويتبع ذلك منح صلاحية إصدار رد الاعتبار إلى لجنة تشكل لهذا الغرض "على غرار ما جاء في التشريع المحلي لإمارة الشارقة" ولا حاجة لإصدار حكم قضائي برد الاعتبار.
6) بالإمكان إيجاد وظائف غير خطيرة للمواطنين في فترة انتظار الحصول على شهادة رد الاعتبار، ليعملوا ويتقاضوا من خلالها راتباً معيناً، ولينفق على نفسه وعلى من يعولهم كالعمل في البلديات مثلاً.
7) إجراءات إضافية تعزز من فكرة إلغاء فترة رد الاعتبار أو تقصيرها:
- إعادة تنظيم الورش وأدوات التأهيل بالمؤسسات العقابية، لتعديل السلوك واستئصال مسببات الإجرام، وتأهيل الأشخاص لإعادة ممارسة أدوارهم الطبيعية في المجتمعات.
-رفد المنشآت الإصلاحية والعقابية بأشخاص مؤهلين علمياً ومهنياً ومتخصصين وليس أفراداً للحراسة عاديين.
-تحديد وظائف عامة لخريجي المنشآت بعدها، وفي ظل التقييم والفحص يسمح لهم بالعمل في أي مؤسسة.
-التشديد على تطبيق التصنيف العقابي، وبناء مؤسسات عقابية تسمح بالتصنيف والتفريد العقابي، ومنع الاختلاط الضار.
-فحص النزيل عقلياً ونفسياً واجتماعياً وعضوياً لتحديد مسببات الإجرام للعمل على استئصالها في بداية دخوله للمؤسسة الإصلاحية والعقابية، وربط مدة العقوبة بالمدة اللازمة للعلاج.
-تكليف مراكز بحوث الشرطة والجامعات للمساهمة في دراسة اتجاهات الجريمة، ومسببات الإجرام للعمل على وضع ضوابط وإجراءات للحد منها وتقليلها.