جار التحميل...
الشارقة 24:
في فضاء فكري يستعيد الذاكرة الإنسانية وأسئلتها المتجددة، ناقش باحثون ومتخصصون في معرض الشارقة الدولي للكتاب مسار انتقال المعرفة اليونانية إلى العربية، وأسباب تبنّي العلماء المسلمين لها، وكيف أعادوا صياغتها حتى أصبحت جزءًا من نسيج الفكر الإسلامي وركيزة في نشأة العلوم والفلسفة.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان "المعرفة اليونانية بالعربية: لماذا، وماذا، وكيف؟" جمعت على منصة واحدة الدكتور سعيد فايق، والدكتور ماركو زوكاتو، والدكتورة نهى الشعار من الجامعة الأميركية في الشارقة.
من جانبه، تناول الدكتور ماركو زوكاتو البعد السياسي للترجمة، موضحاً أن تبنّي العباسيين للمعارف اليونانية جاء في سياق تشكيل هوية فكرية جديدة للدولة بعد عام 750، وذكر، أن الترجمة الأولى لم تكن من اليونانية مباشرة، بل من الفارسية، وأن إدماج النصوص اليونانية جاء لاحقاً ضمن «مشروع ثقافي» هدفه بناء دولة مركزية قوية.
وبيّن زوكاتو أن العلماء المسلمين لم يتوقفوا عند حدود النقل، بل تجاوزوها إلى النقد والإضافة؛ فشكّك الرازي في آرائهم الطبية، وانتقد ابن الهيثم بطليموس، وتناول ابن سينا تصنيفات أرسطو بالمراجعة، ورأى أن توقف حركة الترجمة في القرن العاشر كان دليلاً على نضج معرفي «أنتج علماً خاصاً بالحضارة الإسلامية» وتقنيات متقدمة مثل تطوير الأسطرلاب والآلات الفلكية.
أما الدكتورة نهى الشعار، فأوضحت أن التأثير الحقيقي للتراث اليوناني لم يكن في النصوص وحدها، بل في الطريقة التي «هضم» بها العلماء المسلمون هذه المعارف داخل بيئة عربية–إسلامية حساسة للبعد الأخلاقي، وأشارت إلى أن ترجمة «الأخلاق النيقوماخية» لأرسطو، ونصوص «نواطر الفلاسفة»، أسهمت في نشوء ما عُرف بـ«الأدب الفلسفي» الذي دمج بين الحكمة والتهذيب الأخلاقي وصياغة القيم، وقدّمت أمثلة من كتابات أبي حيان التوحيدي وإخوان الصفا، مبينة كيف تحولت مفاهيم مثل الفضيلة والصداقة إلى مشروع تربوي يهدف إلى إصلاح الإنسان والمجتمع، لا مجرد شرح للنصوص اليونانية.