جار التحميل...
الشارقة 24:
في إطار تعزيز الوعي المجتمعي بقضايا كبار السن وإبراز دورهم في الحفاظ على القيم الإنسانية والإرث الثقافي والهوية الوطنية، نظمت دائرة الخدمات الاجتماعية جلسة حوارية بعنوان "ذاكرة مجتمع"، بالتزامن مع اليوم العالمي للزهايمر والذي يصادف 21 سبتمبر من كل عام، بحضور نخبة من المتخصصين كالأطباء والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والقائمين على رعاية كبار السن، وبمشاركة عدد من ممثلي المؤسسات الصحية والاجتماعية.
واستهلت الجلسة أعمالها بالسلام الوطني، تلاه كلمة افتتاحية أكدت على المكانة الرفيعة التي يحظى بها كبار السن في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهم ذاكرة المجتمع الحية وحماة منظومة القيم والأخلاق، ونموذج يُحتذى به للأجيال في العطاء والانتماء وترسيخ الروابط الأسرية والاجتماعية.
وشهدت الجلسة التي أقيمت في منتجع "أوشينك" بخورفكان نقاشات مهمة حول قضايا كبار السن من الجوانب الاجتماعية والصحية والنفسية والتقنية، لتؤكد الجلسة على دور كبار السن كونهم نموذجًا يُقتدى به للأجيال القادمة.
وتطرقت الجلسة إلى مرض الزهايمر، متناولة تعريفه وأعراضه وأنواعه، والفئات الأكثر عرضة للإصابة، وأهمية التشخيص المبكر والفحص الدوري. كما تم مناقشة التغيرات النفسية والصحية للمصابين وأهمية التوعية المجتمعية لبناء بيئة صديقة لهم، بالإضافة إلى استعراض العلاجات الحالية، والتحديات التي تواجه الأسر في رعاية كبار السن المصابين بالزهايمر، وسبل دعم مقدمي الرعاية.
وفي مستهل الجلسة، أكدت خلود عبد الله آل علي، مدير مركز خدمات كبار السن بدائرة الخدمات الاجتماعية، على الجهود الكبيرة التي تبذلها الدائرة من خلال البرامج والمبادرات الموجهة لكبار السن، والتي تسهم بشكل فعّال في التخفيف من آثار مرض الزهايمر وتعزيز جودة حياتهم.
وأشارت إلى أن من أبرز هذه المبادرات برنامج "المصيف" المخصص لكبار السن، والذي يتميز بمشاركة كبار السن أنفسهم في تقديمه، بما يعزز من إنتاجيتهم ويقوي ثقتهم بأنفسهم.
وأوضحت أن دور كبار السن محوري في نقل الخبرات للأجيال الجديدة والحفاظ على العادات والتقاليد والتراث المجتمعي، باعتبارهم الذاكرة الحية للمجتمع وركيزة أساسية في استدامة قيمته وهويته.
وبدوره، ناقش الدكتور حمد السناوي، رئيس جمعية الزهايمر العُمانية، مرض الزهايمر من مختلف الجوانب، موضحاً أسبابه وأعراضه وتأثيراته النفسية والاجتماعية على المصابين وأسرهم، والعلاقة الوثيقة بين التقدم في العمر وارتفاع احتمالية الإصابة بالمرض.
وشدّد السناوي على أهمية التشخيص المبكر من خلال مراقبة العلامات الأولية وإجراء الفحوصات الدورية، إلى جانب الدور المحوري للتوعية المجتمعية في تحسين جودة حياة المصابين ودعم أسرهم.
ولفت إلى أن من أكثر التغيرات المؤلمة التي يسببها مرض الزهايمر هو التلاشي التدريجي للأسماء والوجوه وحتى أسماء الطرقات والشوارع، كما يفقد المريض مع مرور الوقت قدرته على الكلام ويصبح عاجزًا عن التعبير عن مشاعره بالكلمات. وأوضح أن العلم يقسم الذاكرة البشرية إلى نوعين؛ الذاكرة المعرفية التي تخزن الأسماء والتواريخ والمهارات، والذاكرة العاطفية التي تحتفظ ببصمات المشاعر المرتبطة بمراحل الحياة المختلفة، ما يفسر بقاء بعض الانفعالات والمشاعر حتى في المراحل المتقدمة من المرض.
كما تناول الدكتور عصام سماحه، خبير الطب النفسي بدائرة الخدمات الاجتماعية، التغيرات النفسية والصحية المصاحبة لمرض الزهايمر، مشدداً على أهمية بناء بيئة صديقة وداعمة لكبار السن المصابين، تتيح لهم الشعور بالأمان والانخراط في المجتمع.
واستعرض خلال مداخلته أبرز العلاجات المتاحة حالياً، بما في ذلك الأدوية والعلاجات السلوكية والتجارب السريرية، مؤكداً على ضرورة تكامل هذه الجهود مع برامج الدعم النفسي والاجتماعي لضمان رعاية شاملة ومتوازنة.
كما قدّم مجموعة من النصائح العملية التي تساعد في الوقاية أو التخفيف من آثار المرض، أبرزها الالتزام بنمط حياة صحي وممارسة الأنشطة اليومية الطبيعية، لما لذلك من دور كبير في تعزيز القدرات العقلية والحفاظ على صحة كبار السن لأطول فترة ممكنة.
وفي السياقة ذاته؛ ناقش الدكتور محمد حسني، رئيس قسم أمراض الزهايمر بمستشفى خورفكان، التحديات الكبيرة التي تواجه الأسر في رعاية كبار السن المصابين بالزهايمر، مؤكداً أن هذه التحديات لا تقتصر على الجوانب الطبية فحسب، بل تمتد لتشمل الأعباء النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتحملها الأسر عند تقديم الرعاية اليومية للمريض.
وشدّد الدكتور حسني على الحاجة الملحّة لتوفير برامج تدريبية متخصصة لمقدمي الرعاية، تزوّدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع احتياجات المريض المتغيرة، وتساعدهم في مواجهة الضغوط النفسية الناجمة عن طبيعة المرض ومتطلباته المتزايدة.
وربط الدكتور حسني هذه الابتكارات بمجموعة من النصائح الموجهة للحالات وأسرهم، مؤكداً على أهمية دمج التكنولوجيا مع الرعاية الإنسانية المباشرة، والحرص على توفير بيئة آمنة وداعمة للمريض، مع تشجيع الأسر على الموازنة بين الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لضمان استقرار حالة المريض وتحسين نوعية حياته قدر الإمكان.
وبهذه المناسبة، أكدت مريم ناصر السويدي، مدير فرع خورفكان بدائرة الخدمات الاجتماعية، أن تنظيم هذه الفعالية يأتي استكمالًا للجهود المبذولة في تقديم أفضل الخدمات لكبار السن، مشيرة إلى أن دائرة الخدمات الاجتماعية تسعى دائماً إلى تعزيز دورها كجهة معنية بخدمات متنوعة لفئات المجتمع، وفي مقدمتهم كبار السن الذين يمثلون ذاكرتنا الحية للماضي والحاضر، ومن هنا جاء شعار الجلسة "ذاكرة مجتمع" تأكيدًا على أهمية هذه الفئة الغالية على قلوب الجميع.
كما أعربت السويدي عن شكرها وتقديرها للمشاركين من الأفراد والمؤسسات والجهات الشريكة على دعمهم ومساهماتهم في إنجاح هذه الفعالية، مؤكدة تطلع الدائرة إلى الاستفادة من التوصيات المطروحة في تطوير نوعية الخدمات المقدمة لكبار السن، بما يسهم في توفير حياة كريمة وآمنة لهم.
واختتمت الجلسة بإصدار مجموعة من التوصيات، أبرزها ضرورة تضافر الجهود بين المؤسسات الصحية والاجتماعية لتوفير خدمات متكاملة وشاملة لكبار السن، وأهمية التوسع في حملات التوعية المجتمعية بالأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر، وتشجيع المبادرات التي تُسهم في دمج كبار السن في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وضمان استمرارية دورهم الفاعل في نقل الخبرات والقيم للأجيال الجديدة.
وأكد المشاركون أن الاهتمام بكبار السن لا يقتصر على توفير الرعاية الصحية فقط، بل يشمل أيضاً تمكينهم من مواصلة عطائهم ودورهم الحيوي في المجتمع، بما يعزز النسيج الاجتماعي ويحافظ على الهوية الوطنية والإنسانية للإمارات.