أكد المصور والمخرج البريطاني ريتشارد وايلدينغ، خلال خطاب ملهم لجمهور اكسبوجر، أن السياحة سلاح ذو حدين، فهي تؤثر على الأماكن الطبيعية بشكل سلبي، لكنها في الوقت نفسه تساعد في دعم التراث التقليدي، ويمكن القول إنها أنقذت التراث الثقافي من الضياع.
الشارقة 24:
اصطحب المصور والمخرج البريطاني ريتشارد وايلدينغ جمهور النسخة الثامنة من اكسبوجر في رحلة إلى ثلاث دول من منطقة الشرق الأوسط، وتوقف في عدة محطات من تاريخها وحاضرها، من خلال مجموعة من الصور التي تسلط الضوء على تعرض التراث الثقافي في المنطقة لخطر وجودي بسبب الإهمال والتدمير المتعمد والممارسات غير القانونية.
وأكد وايلدينغ خلال الخطاب الملهم الذي احتضنته المنصة "إكس" تحت عنوان "تراث منطقة الشرق الأوسط المهدد بالخطر"، أن السياحة سلاح ذو حدين، فهي تؤثر على الأماكن الطبيعية بشكل سلبي، لكنها في الوقت نفسه تساعد في دعم التراث التقليدي والحرف اليدوية التي يصعب الحفاظ عليها، ويمكن القول إنها أنقذت التراث الثقافي من الضياع.
وقال المخرج العالمي المتخصص في تنظيم المعارض وإخراج الأفلام وتأليف الكتب التي تتمحور حول الثقافة والتاريخ والتراث الثقافي: "كانت بعض الحرف تحتضر وفي طريقها إلى الاندثار، لكن السياحة أسهمت في انتعاشها وكان لها أثر إيجابي على المجتمعات المحلية في كل من سوريا والعراق والسعودية، لأن السياح يريدون شراء هذه القطع التي تعبر عن التراث الأصيل، فكثير من أبناء تلك المناطق يضطرون لمغادرتها إلى مدن أكبر للبحث عن فرص عمل، ولكن السياحة ونوعية المبادرات التي تطلقها الحكومات مكنت الشباب والنساء من البقاء في بلداتهم مع عائلاتهم".
وقدم ريتشارد وايلدينغ مقارنات بين صور قديمة من القرن الماضي والوقت الحاضر لمواقع في العراق، ضمن مدينتي أربيل والعمادية، والقلاع المبنية فوق الجبال والمرتفعات، والصروح الدينية والأقبية المتواجدة تحتها، والمقابر المخصصة للأيزيديين، إلى جانب مدينة القوش، بالإضافة إلى مكتبة الدومينيكان التي تتضمن كتباً ومخطوطات قديمة ونادرة، اضطر إلى نقلها إلى مناطق آمنة خلال هجوم تنظيم داعش الإرهابي على المنطقة، وصولاً على مدينة الموصل، ومئذنة مسجد النوري، الذي تدمر في عام 2017 خلال انسحاب التنظيم من المدينة، ومسجد النبي يونس في نينوى الذي تدمر في عام 2014، لنفس السبب.
وانتقل وايلدينغ إلى سوريا، حيث أسس منصة "عين على تراث" في عام 2019، لتوثيق التراث والحفاظ على الإرث غير الملموس، من خلال مقاطع تستعرض التقاليد الموسيقية والشعرية، والسرد القصصي، في منطقة الفرات، والتي واجهت خطر الضياع بسبب الحرب، حيث عمل على تدريب وتقديم خدمات لوجستية ومعدات لسكان منطقة الفرات بسبب قربها من العراق وتركيا، ونجح الفريق بإطلاق قناة "تراث الفرات" على منصة "يوتيوب" لتوثيق وأرشفة العادات والتقاليد وذاكرة المكان التي كان من الممكن أن تضيع إلى الأبد.
وفي المحطة الثالثة والأخيرة، اصطحب وايلدينغ الحضور إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل لأكثر من 20 عاماً في مشاريع التراث على نحو مكثف مع مجموعة من النساء السعوديات في جدة وأسس معهن "مؤسسة منسوجات" الخيرية للحفاظ على الأزياء التقليدية السعودية، وتوثيقها، مشيراً إلى تنوع أنماط الملابس وألوانها بحسب القبيلة والمنطقة، واستعرض مجموعة من الأزياء التقليدية من ميناء جدة على امتداد شاطئ البحر الأحمر، إلى منطقة عسير الجبلية، وجازان، المعروفة بزهور الياسمين والقلادات المزينة بالخرز الفضي.
واختتم وايلدينغ رحلته بالتنقل بين البيوت والقلاع المبنية من الحجارة، والمواقع الأثرية المبنية من الرخام الطبيعي، وتقنيات بناء البيوت وتزيينها بطرق وأنماط تراثية باستخدام ألوان معينة من الطلاء، والمقابر التاريخية المنحوتة في الصخر والجبال، التي يعود تاريخها إلى الحضارة النبطية، والتي تشبه آثار مدينة البتراء في الأردن.