أحيا قصر الثقافة بالشارقة، أمسية شعرية، ضمن فعاليات اليوم الثاني لمهرجان الشارقة للشعر العربي الـ20، بمشاركة سبعة شعراء، حلقت قصائدهم في فضاءات الدهشة، ولامست كلماتهم وجدان الحضور ومشاعرهم وحنينهم وعشقهم للجمال.
الشارقة 24:
ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الــ20، شهد قصر الثقافة بالشارقة، انطلاق فعاليات الأمسية الشعرية الثانية لمهرجان الشارقة للشعر العربي، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، ومحمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، ومحمد البريكي مدير بيت الشعر، وجمع غفير من الشعراء والنقاد والمثقفين ومحبي الشعر العربي الذين امتلأت بهم قاعة قصر الثقافة.
قدم الأمسية الإعلامي السوداني عبد اللطيف محجوب، الذي رحب بالضيوف، وثمن عالياً جهود ومبادرات صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على الدعم السخي للثقافة والشعر العربي، والتي أثمرت عن بوادر ثقافية كبيرة.
شارك في إحياء فعاليات الأمسية، سبعة من الشعراء، حلقت قصائدهم في فضاءات الدهشة، ولامست كلماتهم وجدان الحضور ومشاعرهم وحنينهم وعشقهم للجمال.
افتتح القراءات الشاعر عبد اللطيف بن يوسف من المملكة العربية السعودية، وبدأ ضبط إيقاع البداية بقراءة قصيدة "أما قبل" التي فاضت بغزارة المعنى ودهشة الصور المتشبثة بالأصالة والتناص الذكي، ثم قرأ نصاً حمّلَه رؤية شاعرٍ متأملٍ، وأسبغ عليه الحكمة التي جعلته ينساب بخفة الجدول وهو يلامس شغاف الروح، ومما قال:
وقفةٌ لكن لها حكمتُها
إنّما العاجزُ من لا يقِفُ
نصفيَ القوّةُ.. نصفي وهنٌ
نصفيَ المملوءُ لكن كلما
فاضَ عني من دمي يُختطفُ
واستهل الشاعر الإماراتي عبد الرحمن الحميري، قراءاته بقصيدة قدم لها مقدم الأمسية، فكانت وهجاً مشرقاً بالبلاغة وجمال الحرف وعذوبة القصيدة، وشموخ المآذن وهي ترفع نداء الروح عالياً، ومما سمعه عشاق القصيدة من "المآذن":
بالأمسِ كانت على صدري منعّمةً
واليوم تصحو وقد أسكنتُها شطرا
فلا تغرنّكم في الريح أشرعتـي
هذي مناديلُ من يَبكينني قهرا
ولا يغرنّكـم قلــبٌ بقسـوتـهِ،
إن الحنينَ رويدًا ينحتُ الصخرا
ومال بشعره مخاطباً الشعراء الذين يتأرجحون بين عشق سكن الحياة، وبين جنون الانطلاقة في فضاءات القصيدة، وأهدى نصه إلى الشعراء المتزوجين الذين ينقطعون عن وصل القصيدة، فقال في "إنّي أراك":
الشعرُ جرحُكَ.. حين يبلغُ رشدهُ
والشعرُ يعني.. أن تغيبَ لكي تحِنْ
هو ذلكَ الحزنُ النبيلُ المشتهى
إذ تنحني الأزهارُ للرجلِ المُسِنْ
اكتب.. كأنك تحت عرش الله تصـــ
دحُ بالقصيدةِ حيثُ لا إنسٌ وجِنْ
الشعرُ جنّتُكَ الأخيرةُ.. فاسترح
ما بين أنهارٍ.. وخلخالٍ يرِنْ
وبقليلٍ من التنازل عن أنفة الحضور الذي أتقنته، صعدت الشاعرة العمانية شميسة النعماني المنصة، وهي تزلزل النص في داخلها، لكنه خرج هادئاً لا ينم عن الصخب الذي تحمله، ومن بقايا الزلزال قالت:
زُلزَلتَ حتى ظنّ قومُكَ
أن موتَكَ لا محالةَ في القريبِ العاجلِ
زُلزَلتَ حتى قيلَ إن سيكونُ اسمُكَ مع ذويكَ
من الزمانِ الآفلِ
يا وحدَكَ المنسيُّ إلا من شرابِ الموتِ..
يا عطشاً أحبَّ إليكَ من هذا السحابِ الهاطلِ
هم أعدموكَ على الملا..
ونعوشُ أحلامِ البلادِ المقدسيةِ شيَّعتـْكَ إلى الترابِ الهائلِ
الشاعر الكويتي سالم الرميضي، قرأ نصوصاً وزع فيها الحقوق بين حق التحية للبلد المضيف، وبين حق الرثاء لرجل أعطى للثقافة والشعر الكثير "عبد العزيز البابطين" وبين حق النفس، وقرأ من "رسائل إلى أنا":
تريث قليلا
توقف قليلا
تعبت من السير
للـ لا مدى
إلى أين تمضي؟
وتلك الطريق إلى أين تفضي؟
أتملك علماً يقيناً بدربك
ضللَّ أم كان درب الهدى؟
تمهل قليلا
وقف واترك النفس بين يديك!
تعرَّف عليك، وسائل جنابك
ماذا لديك؟
أتحسن كل الذي تدعيه
وتظفر في جل ما تبتغيه
وإن تتكلم يقل لك إيه
وصعد الشاعر الموريتاني علي حاجب، منصة الشعر ليعلن عن فخره وزهوه وانطلاقته التي لا تعترف بالحواجز أو التقييد، فأطلق للغته ما شاء خياله، وجنح بها إلى لغة تنم عن مقدرة على صنع الجمال والالتفات إلى ضوء حضوره الخاطف، ومن قصيدة "المُؤَوَّلُ" يقول:
كَأَنَّهُ... وَتَداعَتْ ألفُ مَلْحَمَةٍ
مِنَ الْحُرُوفِ.. وَرَفَّتْ غَيْمَةٌ وَيَدُ
وَشَمَّرَ الوَقْتُ عَنْ سَاقٍ.. وَمَا انٔهَمَرَتْ
إِلاَّ لَهُ الْبَاسِقَاتُ.. الرُّوحُ وَالْجَسَدُ
ومضى يقول:
غُبَارُهُ الْمُتَفَشِّي في تَزَاحُمِهِ
صَحْوٌ عَلَى وَرَقٍ دُنْياهُ تَنْعَقِدُ
تَفَكَّكَ الْحَاضِرُ الْمَاضِي مُحَاضَرَةً
مَجَازُهَا فِي دَمِ اللَّا شَيْءِ.. يَحْتَشِدُ
وبعد هذا التطواف الشعري في سماوات التجلي، صعدت بهدوء الشاعرة الإماراتية أسماء الحمادي، التي قرأت نصوصاً كشفت عن شاعرة تشق طريقها نحو التميز، باحثة عن مدينة لا تشبه غيرها، تشيد فيها منازل مزخرفة بالأصالة، معجونة بإرث لا ينضب، ومن قصيدة "رؤى الياسمين":
رَبِّتْ على كتفِ السُّؤالِ.. وقُلْ لهُ:
"قد أوشكتْ تأتي إجاباتٌ أمينَهْ"
وامسحْ على رأسِ التَّوجُّسِ.. بُحْ لهُ
سرَّ الرُّؤى المُتَضَوِّعاتِ كياسَمينَهْ
واقصُصْ على ذاكَ المُحالِ حكايةً
من نورِ قلبِكَ.. رغمَ أشباحِ المدينَهْ
لو كانَ يقْصُصُ من جناحِكَ سارِقاً
ريشاً.. وأضلُعَكَ الطَّرِيَّاتِ الحزينَهْ
وكان الختام مع الشاعر السعودي الدكتور عادل الزهراني، الذي يمتلك الكثير من الدهشة، لكنه حرص على قراءة أبيات من قصائده الشعرية المتنوعة ومن قصيدة "اختناق":
وهل للطينِ - سيدتي قرارُ؟
كأنْ يبقى.. إذا احتدمَ الفرارُ؟
كأن يختالَ في زمنٍ شقيٍّ
تنــاهَـــشُـــهُ مزاميرٌ وزارُ
كأنْ يبتلَّ من مطرِ الأماني
عويلُ الغيم بارودٌ ونارُ
كأنْ يُمحى كنقشٍ سومريٍ
وفي رئتيهِ صيحاتٌ وثارُ