نظمت الدورة الـ41 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، جلسة حوارية بعنوان "سمات الأدب الجماهيري"، لتسليط الضوء على مفهوم الأدب الجماهيري، ومميزات هذا النوع من الأدب، وهل يمكن للروايات تحقيق جماهيرية أكبر من الشعر والمسرح والقصة القصيرة؟
الشارقة 24:
طرحت الإعلامية ليلى محمد، أسئلة جوهرية حول سعي المؤلفين لإيصال كتاباتهم الأدبية وضمان تحقيق الجماهيرية والرواج والقبول بين القرّاء، أبرزها؛ ما مفهوم الأدب الجماهيري؟ وما مميزات هذا النوع من الأدب؟ وهل يمكن للروايات تحقيق جماهيرية أكبر من الشعر والمسرح والقصة القصيرة؟ وما العوامل التي تقرر الجماهيرية؟ هل هي المبيعات؟ أم عدد القرّاء؟ أم التقييمات؟
جاء ذلك، في جلسة حوارية بعنوان "سمات الأدب الجماهيري"، شهدت مشاركة كلٍّ من الكاتبة الكندية نيتا بروز، والدكتور الباحث والروائي بومدين بلكبير من الجزائر، والصحافي والناشر الدكتور صالح البيضاني من اليمن، والروائي العماني محمود الرحبي، ضمن برنامج الفعاليات الثقافية خلال اليوم الثاني من الدورة الـ41 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، التي تقام في الفترة من 2 حتى 13 نوفمبر الجاري في مركز إكسبو الشارقة تحت شعار "كلمة للعالم".
وفي مداخلته خلال الجلسة، أشار الدكتور الباحث والروائي بومدين بلكبير، إلى أن الإجابة على هذه الأسئلة المهمة، تتطلب إجراء مسوحات دقيقة وشاملة للمنطقة العربية، مؤكداً وجود عدة عوامل جعلت من الكتابات الجماهيرية في صدارة الأعمال الأدبية، منها الترويج الواسع والتسويق الجيد للكتب من خلال قوة صورة الغلاف وألوانه وتصميماته وجمالياته، وسلطة الأرقام، حيث إن كثيراً من الناشرين يتعمدون كتابة عبارة "الأكثر مبيعاً"، "وبيعت منع ملايين النسخ"، بالإضافة إلى كاريزما الكاتب وصورته، وفقاً لاهتمام القراء بحياة الكاتب "النجم"، فضلاً عن أهمية الترجمة، والجوائز التي تلعب دوراً أساسياً في إبراز الأعمال.
وأضاف في الولايات المتحدة وكندا يوجد صناعة حقيقية للكتاب تسهم في نجاحه، حيث إننا نتكلم عن إنتاج ونشر وتوزيع الكتاب بمعايير عالمية تسهل إبرام العقود والاتفاقات، وسهولة إجراءات نفاذ الكتاب إلى الأسواق الداخلية والخارجية، وعلى الصعيد الشخصي لاقت رواياتي بعض الرواج لكن وصول آخر رواياتي (زنقة الطليان) إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية أسهم بإعادة طباعتها عدة مرات، وترجمتها إلى عدة لغات، فضلاً عن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا ننسى دور الإعلام التقليدي، لأن وصول الكتابات الأدبية إلى الجماهيرية لا يمر على طريق واحد، وإنما على عدة طرق عبر استراتيجية متكاملة لدار النشر في الترويج للكتاب وتسويقه.
من جانبها، نوهت الكاتبة الكندية نيتا بروز، مؤلفة رواية "الخادمة" التي تُرجمت لأكثر من 35 لغة عالمية، إلى أن الترجمة تصنع فارقاً جوهرياً في تعزيز جماهيرية الكتاب، فإذا نجح الكاتب بترجمة عمله إلى لغات عالمية، سيضمن التغلب على عقبات الوصول إلى الثقافات المختلفة، والانتقال من الشخصي والمحلي إلى العالمي، وهو هدف يصعب تحقيقه، إذ ينبغي للكاتب ابتكار قصة وشخصيات لا تناسب ثقافته الشخصية فحسب، وإنما كافة الثقافات، والتواصل معها.
وأضافت تمثل الترجمة بوابة إلى العالمية، وإذا لم يتوفر للكاتب فرصة ترجمة أعماله، ستُغلق هذه البوابة أمامه، وسيخسر فرصة كبيرة، سنخسر جميعنا كمؤلفين وقرّاء فرصة فهم الثقافات الأخرى، ووجهات النظر المختلفة، والانتقال من التجارب الشخصية إلى الاستفادة من الخبرات العالمية.
بدوره، أكد الصحافي والناشر الدكتور صالح البيضاني، وجود تباينات كبيرة بين سمات الأدب الجماهيري في الغرب عموماً وفي العالم العربي، حيث يتميز الغرب بمنصات إعلامية وثقافية راسخة يمكنها رصد أهمية الكتّاب والكتب التي صدرت حديثاً، بالإضافة إلى قوائم شهرية وأسبوعية بأكثر الكتب مبيعاً، والمؤسسات التي تأخذ بيد الكاتب وتقدم له نقلة هائلة على صعيد الانتشار والترجمة إلى لغات أخرى.
وأضاف سمات الأدب الجماهيري في العالم العربي مختلفة تماماً، وتعتمد إلى حد كبير على العشوائية، ولا توجد معايير ثابتة يمكن من خلالها تتبع هذا النمط من الكتابات التي تحظى بشهرة واسعة، بل تعتمد على بعض الانتشار الذي يحققه الكاتب إما بشكل فردي، وإما من خلال حصوله على جائزة مثل جائزة البوكر العربية أو جائزة الشيخ زايد، ومؤخراً استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تفرز جيلاً جديداً من الكتّاب الشباب الذين استطاعوا اختراق الحواجز التقليدية، والوصول إلى شريحة أكبر من القرّاء، وبشكل خاص الشعراء وكتاب القصة القصيرة.
وأشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، استطاعت أن تحرر الكتّاب من سطوة المحرر الثقافي في الوسائل التقليدية، ومن سطوة الناقد، حيث أصبح الكاتب قادراً على الحصول على آراء القرّاء مباشرة، ولم يعد رهينة للناقد.
من جهته، قال الروائي العماني محمود الرحبي: إن لكتابات الجماهيرية هي التي تبدأ من الجمهور، وفيها نوع من التنازل على المستوى الفني، لكن هناك بعض الكتابات التي تمزج بين الفائدة والمتعة، فليس من الضروري أن يكون الكاتب أديباً ليكون عمله جماهيرياً، فربما يكون شخصية مشهورة في مجال ما، سياسي أو صحفي أو محاضر، وحين يصدر كتاباً يتحول إلى كاتب مقروء، لأن الجمهور لديه فضول لمعرفة تفاصيل حياته، وهذا ما حدث في كتاب غابرييل غارسيا ماركيز (عشت لأروي) الذي انتشر بشكل كبير قياساً ببعض رواياته، ولأنه شخص معروف، كان لدى الجمهور فضول لمعرفة حوافز كتاباته ورواياته.
وأضاف أنه بالنسبة للكتابات الأدبية، من المهم أن يتوفر فيها عنصر المتعة لأن الأدب في جوهره مبني على المتعة، فكلمة أدب اشتقاقها الجذري من المأدبة، بمعنى الطعام والحديث والمسامرة، وأتفق مع زملائي حول وسائل التواصل الاجتماعي، والجوائز وخاصة جائزة البوكر في مجال الرواية التي تحقق قفزة حقيقية لأن الرواية ذات صبغة عالمية.