الشارقة 24:
احتفالاً بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، أقام بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة، مساء الثلاثاء، أمسية شعرية شارك فيها كل من د. عائشة الشامسي من دولة الإمارات، وحسن المطروشي من سلطنة عُمان، ود. بهيجة إدلبي من سوريا، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت وعدد من محبي الشعر والثقافة، وقدمها الشاعر الإعلامي علي العامري.
حضرت اللغة العربية ببهاء في قصائد الشعراء المشاركين الذي تجلوا بحبهم لها وللجمال الذي تلبسه حروفهم، فيتيهون محبة وعشقاً في تجلياتها.
استهلت الشاعرة عائشة الشامسي قراءاتها بقصيدة مدت خيوط الوصل في محاولة لمعرفة ماهية السر الذي يسكن القلب الطائر في ملكوت الكشف، ومما قرأت:
ألف تميلُ، و ميلها إقواءُ
أقوَتْ فلا باءٌ لها أو ياءُ
قد جئتُ من سري لكُنْهِ وصالها
فوصلتُ لا همزٌ ولا استعلاءُ
فكأنّ قلبي طائرٌ قد حط في
سر الكلام ظلامُهُ أضواءُ
وسألتُ عن نفسي أشاهدُ محوها
فوجدت ذاتي والبقاءُ فناءُ
كل البلاد قصائدٌ في مقلتي
هل للعيون ضمائرٌ وسماءُ!
ولأن الشغب ديدن القصيدة، فقد عاد بالشاعرة إلى الطفولة وشغبها وألعابها وعاداتها وهي تتنقل في طرقات مدينة "العين" وحاراتها، ومن قصيدة "طفلة اليوريد":
يوريد والأحلام تأخذنا لها
غصنا من الزيتون ينتظرُ
عيناي مغمضتان ..قلبي واحة
ولها ظباء العين تعتمرُ
تحت النخيل أريق صوت طفولتي
أنشودةٌ أخرى سنَبْتكرُ
شالي حمامٌ أبيضٌ أطلقْتُهُ
ليظل غيثُ الحب ينهمرُ
وقرأت للطبيعة وما فيها من جمال وشجر يبعث الهدوء وينشر السعادة في الروح، تلك هي الروح الشاعرة التي تستنشق من الزهرة عبيرها، وتتأمل ألوانها لترسمها لوحة جميلة، ومن قصيدة "نيلوفر":
عيناكَ أرضٌ لا انتماءَ لغيرها
وأنا القديمةُ في زوايا الطُّهْرِ
خذني هنا أسرابُ أسئلةٍ وبي
من مسِّها إثمٌ يطوِّقُ صدري
خذني إليكَ أخافُ أن يتسللَ
الليلُ الطويلُ إلى نوافذ فجري
الشاعر حسن المطروشي أسرت به لغة الخلود إلى سماءٍ بعيدة وهو يسرد حكاياته مع أبيه ومعها، ومع الطيور التي علمته التغريد فطاف بها الآفاق وهو يتلو للدهشة "أنثى الضياء" حيث يقول:
هي أمُّنا الأولى وتُنْجِبُ إخْوَةً
لي، كلَّ يومٍ يعبُرون هوائي
مِنْ قِمَّةِ الأوراسِ تَفْتَحُ قلْبَها
وتمدُّه حضْناً إلى صنعاءِ
عذراءُ، سيدةُ اللغاتِ، تُعِدُّني
كيما أفسِّرَ للطلولِ بكائي
أُحْصي مفاتنَها لأكْمِلَ سيرتي
وأُتِمَّ مثل العاشقين غنائي
أحببْتُها وطنًا وأمًّا، وحْدَها
مَنْ تجْمعُ التاريخَ تحت ردائي
وللغياب والحلول والاشتعال والعبور قرأ المطروشي ما اختزله من شعرٍ يصل إلى المعنى من أيسر الطرق، ومن اشتعالاته قرا:
تأمَّلوا غابةً نامت على شفتي
حتى وطأتُ حدودَ الموتِ فاشتعلتْ
حمَلْتُها باتجاهِ الماءِ كامرأةٍ
باتت تَعُبُّ فراغَ الليلِ فانتقلتْ
وحينما ورِثَتْ ما قاله جسدي
تَوَسَّدَتْ جثتي في الريحِ وابتهلتْ!
وطاف بمقامات كثيرة، عابراً الصحاري والكثبان، متأملاً الحياة وهو يقرأ قصيدة "بيت":
قد كنتُ طفلاً، بالفراشةِ وحْدها
أسْـتَدْرِجُ الدنيا إلى غفواتي
والآن تَحْتَ السقفِ/ سقفِ حنينِهِ
رَجُلٌ يشذِّبُ سحْنةَ السنواتِ
وغَداً سأخْرجُ، أتْبع الذئبَ الذي
يَعْوي هناكَ، فَصَدِّقوا خطواتي
أغلقْتُ أبوابي، وقُلْتُ لَعَلَّني
أغفو بلا خيلٍ ولا غَزَواتِ
اختتمت القراءات الشاعرة بهيجة إدلبي وافتتحت قراءاتها بتغنيها بالعربية وهي تتأمل نون البداية والقول، تتأمل فتنة الأسرار ودهشة الإبحار في اللغة، ومن قصيدة "فيض النون":
عتيقةٌ شافهت بدء الوجود رؤى
كأنها فوق أسرار الوجود فمُ
إذا بصرتُ فمن مرآتها بصري
كينونتي لغتي في الروح ترتسمُ
موشومة في ظلالي وشمها صفتي
هويتي أنني بالحرف أعتصمُ
وواصلت بهيجة إبحارها في اللغة وهي تسرد كينونتها وهي في رحلة عروجها لاكتشاف أسرارها البعيدة، ومن قصيدة "كينونة":
كينونتي أن أستجيبَ لها
لا يستجيبُ بدونها الوقتُ
هي مصطفاةُ بذاتها فُتنتْ
مذْ أيقنتْ بالحرف أيقنتُ
هي أن نقول: وجودُنا لغةٌ
هي أن يؤوّلَ سرَّه الصمتُ
في ختام الأمسية كرم محمد البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.