أحيا بيت الشعر في الشارقة، مساء أمس، أمسية شعرية شارك فيها كل من محمد أحمو وجمال الملا، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت، وعدد من محبي الشعر والثقافة، للاستماع إلى قصائد نشرت السكينة والروحانية، وحروف نثرت المديح النبوي في أرجاء المكان.
الشارقة 24:
أقام بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة، مساء أمس، أمسية شعرية شارك فيها كل من محمد أحمو وجمال الملا، بحضور الشاعر محمد البريكي مدير البيت، وعدد من محبي الشعر والثقافة، وقدمها محمد إدريس، الذي شكر في بداية تقديمه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على دعمه للشعر والثقافة، وأثنى على دور بيت الشعر بدائرة الثقافة على مواصلة هذه الأنشطة التي تجمع الحضور على مائدة الإبداع.
وافتتح القراءات، الشاعر محمد أحمو الذي جاءت نصوصه محملة بالسفر والشوق والذكرى والتاريخ، وطاف بمضامين وجده عبر لغة أنيقة عذبة نالت إعجاب الحضور، وحازت رضاهم، وبين الأندلس ومكة ويثرب حكاية "أندلس الأشواق" العابرة بلغتها المرهفة الشفيفة إلى القلوب، وهي تترنم بمحبة رسول الإنسانية ونبي الرحمة، ومنها قرأ:
ما زَال يُمْعِنُ في الذكرى صباحَ مَسَا
يا كَمْ رسَمْتُ لهذَا القلبِ أنْدَلُسا؟
وكَان قبْلَ طلُوعِ الشمْسِ في لُغتِي
طِفْلا يُخَاتِلُ فِي مَوّالِهِ الْحَرَسَا
لَمْ يَتَّخِذْ فَرْطَ مَا آوَى إِلى سَفَرٍ
إلا القَصِيدَةَ فِي تَرْحَالِهِ فَرَسَا
نَخِيلُ يَثْرِبَ يَغْفُو بيْنَ أضْلُعِهِ
وطيْرُ مكّةَ في أحلامِهِ نعَسَا
جاءت من المغربِ الأقصى قوافلُهُ
حنِينُهَا من نوافيرِ الهوى انبَجَسَا
لطَيْبَةٍ بوْصَلاتُ الشوقِ تُرشِدُها
تهفـُـو لتقبِسَ من أنوارِهَا قبَسَا
وعن الهم الإنساني الذي يؤرق مضاجع الشاعر، وهو يرى الأرض تئن من العبث ويشكو اليتامى فيها من التعب، لامس محمد أحمو الوجع، والتحم بالمشاعر، وباح في قصيدة "غربة" بمواجده:
غريباً تَمَادَيْتَ لاَ لَهْــــفَــــةٌ
توارتْ ولا لـــــــوعةٌ مطفأةْ
أَقِلْ عَثْرَةَ الْحُزْنِ يَا ابْـــــنَ الدُّجَى
فــــإنَّ السُّرَى لُعْبَــةٌ مُبْطِئَــةْ
تَصوَّفَ فِي وَجْنَتَــيْكَ الشَّجَــــى
وفِــي مُقْلَتَيْكَ بَـــــقَايَا امْرَأَةْ
وما زلتَ تهفو.. وما في المَــــدَى
رغــــيفُ اليَتَامَى وَلَا مِــدْفَـأَةْ
وواصل في رسم خريطة ضوء لمناجاته مع القصيدة، وهو يرحل عبر الصحراء، ويذوب كي يسعد الأحياء والرفقاء، ومن قصيدة "خريطة ضوء":
مِنْ غُرْبَةِ الضَّوْءِ.. هَذَا الشَّاعِرُ انْطَلَقَا
فِي كَفِّهِ الْوَرْدُ مَيَّاساً وَمُتَّسِقاً
نُورُ الْقَصِيدَةِ.. مَاءُ الْحَرْفِ.. لَوْعَتُهُ
أَحْزَانُهُ حِينَ تُذْكِي الْهَمَّ وَالْأَرَقَا
"أملاكُهُ".. لَيْسَ يَرْجُو أَنْ يُفَارِقَهَا
كَقَلبِهِ.. كُلَّمَا أَوْحَى لَهُ ائْتَلَقَا
نَخْلٌ يُظَلِّلُ أَوْجَاعِي
وَيَحْضُنُنِي
طِفْلاً تَوَسَّدَ فِي ذِكْرَاهُ مُرْتَفَقَا
ثم حلق الشاعر جمال الملا بالحضور، في سماوات روحانية وهو يترنم بقصيدته "النبي" التي أضفت نوعاً من السكينة تفاعل معها الحضور ومع محطاتها، فبدأت الدهشة حينما انسل من معناه ليدخل أجواء السيرة النبوية، فأتت بدايتها:
أنسل من عتْمة المعنى أغيب سدى
خلعت نعليّ لا ظلّاً ولا جسدا
أمشي على الماء.. هل في الماء من قبسٍ؟
لما بدوتُ اختفى.. لما اختفيتُ بدا
يرتدُّ صوتٌ من النارِ التي اتّقدت
يا رب، يا رب، من فينا الذي اتقدا
أكان صوتكَ إذ ناديتني ولِهاً
أم كنتُ من صاح بي والنارُ محض صدى
ليواصل في سرد السيرة، بتمكن ولغة عالية وجدت طريقها للخروج من الحيرة، وهي تعبر أودية وتمر بجبال لتصل إلى مبتغاها إلى أن يقول:
تروي النقوش القديمات التي نسيت
في حائط البحر.. أن البحر قد نفدا
إذ الخليل وفأس الحق في يده
إذ يرفع البيت… يهدي قلبه وتدا
ويوم قال ابنه افعل ما أمرتَ به
الله.. وانقلب السكينُ مرتعدا
فمن سيلتقط السر الذي فضحت
منه ملامحه جهرا بكبش فدا؟
ضجّت قريشٌ إلى قالت امرأةٌ
يا شيبةَ الحمدِ.. قد أنجبت من حُمدا
هم تسعةٌ ليس هذا الفرد عاشرهم
فانحر من الإبل إكراماً لمن وفدا
وفي ختام الأمسية، كرّم محمد البريكي الشاعرين، ومقدم الأمسية.