جار التحميل...
الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي ندوة أدبية بعنوان "الطّيب صالح الآخر المختلف"، شارك فيها كلٌ من محمد خلف الله، ومجذوب عيدروس، والدكتور غانم السامرائي، ومحمد عبد الرحمن حسن بوب، وأدارتها الدكتورة لمياء شمّت، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي، وعدد كبير من المثقفين والأدباء.
وأفادت الدكتور لمياء شمّت، بأن الطيب صالح هو الروائي السوداني الذي استطاع بأسلوبه السردي الساحر وموضوعاته العميقة أن يحفر اسمه بين كبار الأدباء العرب المعاصرين، حتى أطلق عليه النقاد لقب "عبقري الرواية العربية"، وقد كتب عدة قصص منها "نخلة على الجدول، ودومة ود حامد، وحفنة تمر، والرجل القبرصي"، وأما رواياته "عرس الزين، وموسم الهجرة إلى الشمال، وضي البيت، ومريود، ومنسي".
وأصافت شمّت، أن الأمسية تقام بمناسبة صدور كتاب "المتن الروائي المفتوح: "فن القصّ السّردي عند الطّيب صالح" لمؤلفه محمد خلف الله، الصادر عن أكاديمية إفريقيا بالشارقة، وقدمت المشاركين في الندوة والمحاور التي سيتناولها كل واحد منهم، وشددت على أن الطيب صالح هو ذلك المبدع الذي لا يمكن سبر أغوار إبداعه، فهناك دائماً جوانب خفية يمكن للباحث أن يكتشفها.
وقدم محمد خلف الله ورقة بعنوان "فن القص بين أصول الحكي التقليدية والخلخلة السردية، ملاحظات تكميلية لكتاب (المتن الروائي المفتوح)" قال فيها إن فن القص يرتبط في جوهره بمكنون الذاكرة، وهي حقل ديناميكي يتبدل فيه المخزون، بحسب تقادم العهد واكتساب المعارف وتغير السياقات؛ ويلعب الزمان دوراً أساسياً في التأثير ما حفظ بالذاكرة، وفي تشكيل الهوية الشخصية، وإعادة بناء الهوية الوطنية أو القومية، وقد انعكس ذلك الأبنية السردية المعاصرة؛ فلم يعد الحكي فيها يتبع مساراً خطياً.
وبين خلف أن الطيب صالح اعتمد في سرده كلياً على هذه الحقيقة المتعلقة بالذاكرة، ما جعل كل ما كتبه من قصص وروايات "متناً روائياً واحداً مفتوحاً"، مكانه الأوحد هو القرية (دومة ود حامد)، وشخصياته هي شخصيات هذه القرية وزمنه متغير ومتبدل حسب الأحداث والتبدلات والعلاقات التي تجري على القرية وما يرتبط بذلك من تبدل في الوعي وفي أوضاع الناس، هو إذن متن روائي واحد أطره المكان، وفتحه الزمان، وسمح للطيب صالح في كل محطة أن يقدم عنه نصا جديدا بدء بقصصه القصيرة وحتى آخر رواياته.
وقال الدكتور غانم السامرائي، في ورقته، إن الطيب صالح ظل موضوعاً للقراءات المعمقة من جميع الجوانب، وهو من أبرز الكتاب الذين مثلوا التوتر الجدلي بين المحلية والعالمية، وفتح آفاق المعرفة الإنسانية من خلال المحلية، وشكلت روايته موسم الهجرة إلى الشمال، نقطة التقاء بين الرواية العربية والرواية العالمية.
وأضاف السامرائي أن (المحلية) في الكتابة اتخذت، في سياق ما بعد الاستعمار، معنى يتجاوز الإطار الجغرافي، لتغدو موفقا معرفيا وجماليا من العالم، المحلية فعلاً مضاداً للهيمنة الثقافية الغربية، ومحاولة لتأسيس صوت سردي أصيل ينبع من تجربة الذات الجماعية، ومن أبرز ممثلي هذا الاتجاه الطيب صالح الذي حول القرية النيلية إلى مسرح كوني الصراع الهوية، ونجيب محفوظ الذي جعل من الحارة المصرية نموذجاً مصغراً للمدينة العربية والتاريخ الإنساني بأسره، وجينوا أشيبي (نيجيريا) الذي أعاد بناء الوعي الإفريقي عبر استعادة اللغة والذاكرة والتاريخ المحلي بعد الاستعمار البريطاني، ورغم اختلاف السباقات، فإن المشترك بينهم هو الوعي بأن المحلية ليست نقيضاً للعالمية، بل شرطا من شروطها، حيث تغدو المحلية هنا وسيلة لنزع المركزية الغربية وإعادة الاعتبار للآخر الهامشي.
وتحدث مجدوب عيدروس في ورقته عن أن الطيب صالح قوة الخطاب لدى الطيب صالح وتنوع عوالمه السردية وشخوصه وخطابه الإنساني، كل ذلك نابع من نشأته ومراحل تكون شخصيته من الصبا إلى الشباب، في قرية كرمكول على النيل التي كانت وسطاً بين النوبة والمجموعة العربية، وتجمع فيها أقوام من شتى الإثنيات والمشارب الثقافية، ثم استقراره في بورت سودان التي يسكنها السودانيون بكل أطيافهم، ويسكنها ويمنيون ومصريون وأتراك وأوروبيون، فهذا الخليط المتنوع خلق في الكاتب نفسه وعياً إنسانياً عميقاً، وجعله قادراً على فهم الآخر وتقبله.