جار التحميل...
الشارقة 24:
تحت رعاية الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، نظمت إمارة الشارقة حفلاً رسمياً في العاصمة الفرنسية باريس، احتفاءً بإدراج "الفاية" على قائمة التراث العالمي لليونسكو، مسجلة بذلك علامة فارقة في تاريخ الإنجازات التي تضاف إلى رصيد الشارقة ودولة الإمارات والمنطقة العربية بأسرها، إذ كان "الفاية" الترشيح العربي الوحيد الذي نظرت فيه لجنة التراث العالمي في دورتها الـ 47.
ويُعد "الفاية" - بهذا الإدراج - ثاني موقع في دولة الإمارات ينال هذا الاعتراف العالمي بعد المواقع الثقافية في مدينة العين التي أُدرجت عام 2011، ليواصل بذلك ترسيخ مكانة الدولة على خارطة التراث الإنساني.
وقد جمع الحفل نخبة من أعضاء لجنة التراث العالمي وممثلين دبلوماسيين وخبراء دوليين، في لحظة احتفاء جماعي بهذا الإنجاز التاريخي، الذي يعكس التزام الشارقة بحماية التراث الإنساني وصونه.
وأعربت الشيخة بدور عن فخرها بجهود الشارقة المتواصلة لإدراج "الفاية"، وتسليط الضوء على دوره الجوهري في إثراء فهم تاريخ الإنسان الأول وتطوره.
أكدت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، السفيرة الرسمية لملف ترشيح (المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية)، أهمية هذا الإنجاز التاريخي، مشيرة إلى أن إدراج (الفاية) في قائمة التراث العالمي يُجسد التزام الشارقة الراسخ بصون هذا الإرث الإنساني للأجيال القادمة.
وقالت في كلمتها الافتتاحية خلال الحفل: "إدراج الفاية على قائمة التراث العالمي إنجاز جماعي، ونبارك للشارقة ولكل من وقف إلى جانبنا طوال هذه الرحلة الملهمة والقيمة".
وأضافت: "كانت الفاية هذا العام الترشيح العربي الوحيد، الذي نظرت فيه لجنة التراث العالمي، واليوم تصبح ثاني موقع في دولة الإمارات ينال هذا التقدير العالمي بعد المواقع الثقافية في مدينة العين التي أُدرجت عام 2011، إنه انتصار كبير للشارقة، وانتصار لدولة الإمارات، وانتصار للمنطقة بأسرها".
وأكدت الشيخة بدور التزام الشارقة بمواصلة جهودها في صون وحماية موقع الفاية، والاستثمار في أعمال الحفاظ عليه، وتوسيع نطاق البحث العلمي المرتبط به، لضمان وصول قصته وتأثيره الحضاري إلى العالم أجمع.
وأكد سعادة علي الحاج العلي، المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى اليونسكو، التزام الدولة الراسخ بصون التراث ودلالات هذا الإنجاز على مستوى أوسع، قائلاً: "تظل دولة الإمارات ملتزمة التزامًا عميقًا برسالة اليونسكو، وتفخر بأن تكون شريكًا فاعلًا ومشاركًا في الحفاظ على تراثنا الإنساني المشترك، وإن قائمة التراث العالمي ليست مجرد سجل للمواقع، بل تجسد قصص البشرية المتنوعة وقيمها وهوياتها، وهي تذكرنا بأن التراث لا يعرف حدودًا، وأن لكل ثقافة ما هو جوهري لتضيفه إلى السرد الإنساني العالمي".
وأضاف قائلاً: "في هذا السياق، يشكل إدراج موقع الفاية خطوة متقدمة نحو توسيع تمثيل الأصوات والمناظر الطبيعية من العالم العربي وغيرها من المناطق، التي ظلت لفترات طويلة على هامش هذا السجل، بما يعزز حضورها في قصة الإنسانية الجامعة".
احتفاء بالجهود الجماعية
استحضر الحضور خلال الحفل مسيرة التعاون المثمر التي أوصلت ملف "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية" إلى هذه المرحلة المتقدمة، وشهد عرضًا بصريًا يوثّق أبرز محطات العمل والإنجازات، مستعرضًا تفاني الباحثين والخبراء والشركاء الذين شكلوا ركيزة أساسية في مسيرة الترشيح.
وأعرب سعادة عيسى يوسف، المدير العام لهيئة الشارقة للآثار، عن تقديره العميق لكل من أسهم في تحقيق هذا الإنجاز، مؤكداً أهمية مواصلة التعاون الدولي لحماية إرث الفاية وتعزيز دوره في توسيع فهمنا للتاريخ البشري المبكر.
وقال سعادته: "إن إدراج موقع (الفاية) على قائمة التراث العالمي لليونسكو ليس مجرد اعتراف عالمي بموقع أثري، بل هو تتويج لعقود من الرؤية الحكيمة والدعم المتواصل لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي وضع الأساس لحماية تراثنا الثقافي وخلق بيئة علمية مستدامة لخدمة الإنسانية".
وأضاف، "كما نثمّن القيادة الاستثنائية للشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، التي وقفت خلف هذا الإنجاز برؤية رصينة، ومنهج علمي، وشراكات راسخة محليًا ودوليًا، قادها فريق الهيئة بتفانٍ لا يعرف الكلل"
وأردف قائلاً: "(الفاية) ليست موقعًا أثريًا فحسب، بل شهادة حيّة على عبقرية الإنسان الأول وقدرته على التكيّف والابتكار في مواجهة أقسى التحديات البيئية، ولقد أعادت رسم خريطة فهمنا لرحلة الإنسان، وأكدت أن شبه الجزيرة العربية لم تكن ممرًا عابرًا للهجرات، بل موطنًا أصيلاً ومركزًا للإبداع البشري المبكر".
واسترسل قائلاً: "إن هذا الإدراج يُمثل بالنسبة لنا في هيئة الشارقة للآثار محطة فارقة تعزز التزامنا العميق بحماية التراث الثقافي لدولتنا ومنطقتنا، وتدفعنا لمواصلة الاستثمار في البحث والتوثيق والتعليم، لضمان أن تبقى قصة (الفاية) حاضرة في وعي الأجيال القادمة ووجدان العالم".
وأكد سعادته: "معًا، نجعل من (الفاية) منارة للمعرفة ورمزًا لتفانينا الجماعي في صون ماضي الإنسانية من أجل مستقبل أكثر وعيًا وارتباطًا بجذوره".
واختُتم الحفل بالتقاط صورة جماعية جمعت الحضور، جسّدت روح التعاون والإنجاز والطموح المشترك الذي وحّد الجهود في سبيل هذا الحدث التاريخي.
يُعد المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في "الفاية" نافذة تطل على قدرات الإنسان القديم على التكيّف في واحدة من أقسى البيئات الصحراوية على وجه الأرض قبل أكثر من 200 ألف عام. إذ تكشف طبقات النشاط البشري المكتشفة في الموقع، والتي تعود إلى أكثر من 200 ألف عام عن قصص غنية بالصمود والابتكار، وتؤكد أن شبه الجزيرة العربية لم تكن مجرد ممر عابر في مسارات الهجرة، بل كانت وجهة للاستقرار ومركزًا نشطًا للابتكار والتبادل الثقافي.
وخلال أكثر من 30 عامًا من أعمال التنقيب الدقيقة التي قادتها هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع فرق دولية مرموقة، جرى الكشف عن 18 طبقة جيولوجية متعاقبة، يوثّق كل منها فترة زمنية مختلفة من النشاط البشري، ما يمنح "الفاية" قيمة علمية استثنائية في رسم مسار تطوّر الإنسان في البيئات القاحلة، ويواصل الموقع اليوم إعادة تشكيل فهمنا للماضي وصلته العميقة بالحاضر، مؤكدًا أهمية صون هذا النوع من المعرفة ونقله للأجيال القادمة.
ويُعد المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في "الفاية" ولأكثر من 11 عامًا موقعًا محوريًا ضمن برنامج اليونسكو «HEADS» (التطور البشري، التكيّف، الانتشار والتطورات الاجتماعية)، إلى جانب مواقع أيقونية مثل كهوف نهر كلاسيس وكهف وندرويرك في إفريقيا، ويؤكد هذا التعاون طويل الأمد أهمية "الفاية" في دعم الأبحاث العالمية في علم الإنسان القديم والدراسات البيئية، وتعزيز التعاون الدولي في حماية التراث الثقافي العالمي.