الشارقة 24:
شهدت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير "شروق" أعمال الندوة العلمية التي نظمتها هيئة الشارقة للآثار يوم السبت الماضي في مقر الهيئة، بحضور سعادة عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وسعادة الدكتور صباح عبود جاسم، مستشار هيئة الشارقة للآثار، وسعادة مبارك إبراهيم الناخي، وكيل وزارة الثقافة وعدد من الضيوف من خارج دولة الإمارات من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، بمشاركة مكتب اليونسكو لمصر والسودان، إضافةً إلى نخبة من مسؤولي الهيئة والأكاديميين علماء الآثار والباحثين من داخل الدولة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسودان.
وجاءت الندوة بالتعاون بين الهيئة وجامعة توبنغن الألمانية وجمعية سينكنبرغ للتاريخ الطبيعي، تخليداً لمرور أعمال موسم التنقيب الثلاثين في جبل البحيص وجبل الفاية في الشارقة تحت عنوان "علم آثار المشهد الطبيعي والبيئيات القديمة والتكيفات البشرية والهجرات في المنطقة العربية، حيث جاءت الجلسات النقاشية البحثية على مدى يومي 24 و25 من فبراير الحالي.
إثراء النشاط الأثري
في مستهل الندوة، ألقى سعادة الدكتور صباح عبود جاسم كلمة أعرب فيها عن شكره وامتنانه لحضور الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي للحدث، مما يعكس اهتمام القيادة الرشيدة بتوثيق وحماية المكانة الأثرية لمختلف المناطق في الدولة، ويمثل دعمًا نوعيًا لدور هيئة الشارقة للآثار في إثراء النشاط الأثري لإمارة الشارقة والحفاظ عليه، وتعزيز الهوية الأثرية لها، ونشر الوعي بتراثها الثقافي والمادي والحضاري على الصعيدين المحلي والعالمي.
تاريخ عريق للتراث الثقافي لإمارة الشارقة
من جانبه، أكد سعادة عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار أن الهيئة تسعى من خلال إجراء الدراسات العلمية التخصصية في مجالات البحث والتنقيب عن الآثار في مختلف المناطق الأثرية في الإمارة، وحصر وتوثيق ما فيها من مكتشفات مهمة ونقوش صخرية ومن خلال الباحثين وعلماء الآثار المتخصصين في مجال التنقيب والحفظ والتوثيق وكذلك عقد المؤتمرات والندوات العلمية الكبرى في هذا الصدد إلى صون التاريخ العريق للتراث الثقافي لإمارة الشارقة، وهو تاريخ ذو رصيد حافل يتميز بأنه موغل في القدم، إذ يظهر من خلال هذه الدراسات والبحوث الميدانية المتواصلة أن البشر منذ آلاف السنين استوطنوا مواقع عديدة في الدولة بشكل عام وفي إمارة الشارقة بشكل خاص والتي تحتضن أقدم موقع بشري معروف في شبه الجزيرة العربية وهو الموقع الصخري في جبل الفاية في منطقة مليحة الأثري الذي أُدرج مؤخراً ضمن القائمة التمهيدية للتراث العالمي في اليونسكو، بما يسهم في تسليط الضوء على تاريخ الدولة تعريفاً بالقيمة الثقافية وأهميتها الأثرية على المستوى العالمي، بالإضافة إلى موقع جبل البحيص، وغيرهما من المواقع الأثرية في الشارقة.
دراسات ميدانية ونتائج مهمة
شملت أجندة الندوة العلمية، ورقة تحدث فيها سعادة الدكتور صباح عبود جاسم مستشار هيئة الشارقة للآثار عن التراث الأثري والمشهد الثقافي للمنطقة الوسطى في الشارقة، تلاها استعراض مشترك بين الدكتور صباح جاسم ونيكولاس كونارد من جامعة توبنغن الألمانية تناولا فيه ملاحظات مهمة حول الإرث البحثي للأستاذ الدكتور هانس بيتر إيبربمان في الشارقة.
جبل الفاية
وأوضح العرض الذي قدمه الدكتور صباح عبود جاسم أن جبل الفاية يقع في إمارة الشارقة وتحديداً منطقة مليحة، ويعتبر أحد أهم مواقع العصر الحجري القديم في شبه الجزيرة العربية، حيث كشفت عمليات التنقيب الأثري في العام 2009م عن وجود استيطان بشري يعود الى 125000عام, مما جعله أقدم موقع بشري معروف في شبه الجزيرة العربية. وتشير البيانات الأثرية الجديدة من جبل فاية، والتي نشرت في التقارير العلمية، إلى أن الاستيطان البشري في الجنوب العربي حدث في ظل جملة غير متوقعة من الظروف المناخية قبل ذلك بكثير مما كان يعتقد سابقاً. وباستخدام مجموعة متطورة من التقنيات الأثرية والمناخية القديمة وتقنيات التأريخ، تمكن الفريق من إعادة بناء أربع مراحل متميزة من الاستيطان البشري بين 210,000 -120,000 سنة مضت. ويوضح هذا بشكل حاسم أن البشر قاموا باستيطان الموقع خلال الظروف المناخية الجافة والرطبة – مما يمثل تحدياً للافكار السابقة حول متى كان بإمكان البشر وما لا يمكنهم استيطان المواقع العربية خلال العصر الحجري القديم ويفتح إمكانية أن تقدم شبه الجزيرة العربية المزيد من الأدلة على رحلة الانسان خارج أفريقيا خلال مراحل الجفاف.
الاكتشافات الأثرية في جبل الفاية
وتضمنت الندوة تناول الاكتشافات الأثرية في جبل الفاية، حيث هناك العديد من الاكتشافات التي دلت أن موقع جبل الفاية كان معبراً للبشر ومأهولاً بالسكان من مختلف القارات في العصر الحجري، فهذا الجبل محفوف بالكثير من الأدوات الحجرية حيث برزت العديد من عمليات التنقيب التي خلفت وراءها مجموعة من الاكتشافات في موقع جبل الفاية بالإضافة إلى موقع فاية إن إي 1 والذي يعد من أهم المواقع الأثرية في جبل الفاية لما يضمه من اكتشافات بارزة حيث أثبتت الاكتشافات أن للموقع أهمية بالغة ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل يحظى الجبل بأهمية عالمية أيضاً؛ كونه يوضح تاريخ الهجرة البشرية الأولى التي يدور حولها الكثير من الجدل.
الأحجار والقشور الكلسية
اشتمل العرض أيضاً عن الكشف عن قشور كلسية بيضاء في المنطقة، مما أدى إلى استنتاج طبيعة المناخ في تلك المنطقة بفضل آثار كربونات الكالسيوم، إذ تم التوصل إلى رطوبة المناخ في العصر الحجري آنذاك، مما دل على أن تكون هذه المنطقة غنية بالمواد الخام التي بفضلها استطاع سكان المنطقة في وقتها صنع الأدوات الحجرية، بالإضافة وتم الكشف عن أحجار الصوان التي كست المنحدر الشمالي الشرقي لجبل الفاية.
جبل البحيص
من جانبٍ آخر، استعرضت الندوة جبل البحيص الذي يقع في القطاع الأوسط من إمارة الشارقة ويرتفع 340م فوق مستوى السهل المجاور، و يتكون من طبقات كلسية بعود الى العصر الجيولوجي المؤرخ الى 60-65مليون سنة مضت، حيث شهدت سفوح الجبال والمنطقة المحيطة بها سلسلة من التنقيبات الاثرية ابتداء من العام 1995من قبل بعثة مشتركة من إدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة سابقاً ومعهد الدراسات الأثرية لما قبل التاريخ والعصور التاريخية والوسطى في جامعة تيوبنجن الألمانية، ولقد اسفرت التنقيبات عن مقبرة واسعة تضم قبوراً عديدة تعود بفترات زمنية مختلفة ابتداءً من العصر الحجري الحديث مروراً بالعصرين البرونزي والحديدي وصولاً الى الصر الهلنستي.
المشاهد الطبيعية القديمة بجبل الفاية
كما استمع الحضور إلى نيكولاس كونارد من جامعة توبنغن الألمانية في حديث ثري عن أهمية الجزيرة العربية في فهمنا للتطور البشري، فيما تطرق فرانك بريوسر من جامعة فرايبورغ الألمانية إلى البيئات الطبيعية القديمة في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية.
المناظر الطبيعية القديمة في منطقة جبل الفاية بالشارقة
من جانبه، ركزت ورقة أدريان باركر من جامعة أكسفورد بروكس البريطانية على التغيرات الطبيعية القديمة التي شهدتها الشارقة والإمارات العربية المتحدة، وأما كنوت بريتزكي المحاضر في جامعتي يينا وتوبنغن الألمانيتين فقد استعرض في مشاركته المناظر الطبيعية القديمة في منطقة جبل الفاية بالشارقة، باعتبارها أرشيفًا متميزًا غنيًا في مجال العلوم الإنسانية وتوثيقًا لمظاهر ودلالات التكيف المبكر لسكان المنطقة مع الصحراء.
وفي سياق مقارب، جاءت ورقة لويز بوردو من جامعة نيس الفرنسية لتضع الإجابة حول ما إذا كان تطور الواحات في دولة الإمارات العربية المتحدة هو نتيجة لديناميات بيئية أو أنشطة بشرية، قبل أن يختتم محمد نصر الدين من السودان الشقيق والمحاضر في جامعة ود مدني السودانية وتوبنغن الألمانية بورقة شيقة ومهمة سلطت الضوء على الحياة على طول النيل وعلم آثار المناظر الطبيعية وعلم البيئة القديمة في السودان.
المناظر الطبيعية القديمة في عصور ما قبل التاريخ وتغير المناخ في الدول العربية
وبدورها، تمحورت مشاركة نوريا سانز، المديرة الإقليمية لمكتب اليونسكو لمصر والسودان بمكتب الاتصال مع جامعة الدول العربية، القاهرة) حول المناظر الطبيعية القديمة في عصور ما قبل التاريخ وتغير المناخ في الدول العربية وعمل برنامج HEADS للتراث العالمي لليونسكو.
وتحدثت خلود الهولي السويدي، مدير إدارة التراث الثقافي المادي بهيئة الشارقة للآثار عن المشاهد الطبيعية القديمة بجبل الفاية، والذي يعد أحد الملفات المرشحة للإدراج ضمن القائمة التمهيدية للتراث الثقافي العالمي.
واستمع الحضور في نهاية الندوة العلمية إلى مناقشة عامة شملت ملاحظات ختامية حول الأوراق والموضوعات التي تناولها المشاركون، كما نظمت هيئة الشارقة للآثار يوم السبت ضمن أعمال الندوة رحلة لجميع المشاركين إلى جبل الفاية وتم من خلالها عرض للمواد الأثرية من قبل الدكتور كنوت بريتزكي.