الشارقة 24 – الشفيع عمر:
أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، نجاح مشروعات الغذاء المتنوعة التي اعتمدتها الإمارة في مناطقها المختلفة، واستمرار تطورها ورفدها عبر المراحل المقبلة، مما يجعلها متكاملة في جوانب الأمن الغذائي من المنتجات الزراعية والحيوانية، لتأمين احتياجات الإمارة من القمح والألبان وغيرها، مشيراً سموه إلى أن القمح المنتج في الشارقة من أجود الأنواع في العالم لاحتوائه على أعلى نسبة من البروتين، وخلوه من أية مواد كيميائية أو أسمدة وغيرها من المواد الضارة على صحة الإنسان.
جاء ذلك خلال كلمة سموه التي ألقاها صباح الاثنين، بحضور سمو الشيخ عبد الله بن سالم بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، في حفل حصاد المرحلة الأولى لمزرعة القمح "سبع سنابل" في منطقة مليحة.
وبارك صاحب السمو حاكم الشارقة خلال كلمة له بهذه المناسبة، حصاد المزرعة في مرحلتها الأولى، متناولاً سموه تاريخ الزراعة في المنطقة، وعودتها بكل فخر مرة أخرى إلى أرضها ومكانها الأول، قائلاً: "هذا يوم سعيد لدولة الإمارات العربية المتحدة، وللشارقة بصفة خاصة بمناسبة النجاح في استزراع القمح في مليحة، أرض المزرعة معظمها طينٌ خالصٌ ليس فيه شوائب، حيث كانت هذه البقعة في الأصل مجرى مياه، وكان يتجه من الجبال ناحية الفايه ومنها إلى البحر، والتربة فيها صالحة ليس بها أملاح ولا حصى، ولذلك نرى أن هذه البقعة لا تعترض نمو جذور النباتات لأن النبات معروفٌ بأنه إذا اعترضت جذوره الحصى، يغير مجرى الجذر له ويتعبه، مضيفاً سموه: هذه الأرض سهلة ويسيرة ولذلك كان الإنبات كله في مستوى واحد، كما أن مدة الإنبات استغرقت 100 يوم، ومساحة هذه البقعة حوالي 1900 هكتاراً، الآن نزرع ثلثها، والسنة المقبلة سنزرع الثلث الآخر، وبهذا الحصاد وفتراته المقبلة سنحصد بإذن الله 15200 طن من القمح، وهذه الكمية تمثل استهلاك إمارة الشارقة في السنة الواحدة من منافذ البيع بالنسبة للقمح والدقيق المستوردين، والآن هذه الكمية المنتجة في الشارقة ستحل محل ما كنا نستورده".
واستعرض سموه المراحل الدقيقة وعمليات التخطيط المدروسة التي مر بها إنتاج قمح "سبع سنابل"، متناولاً سموه مواصفات القمح الذي حقق مستويات قياسية من نواحي الجودة والسلامة الغذائية، قائلاً: "الدقيق المستورد الموجود بالأسواق لا تصل نسبة البروتين فيه إلى أكثر من 11 %، وهناك النوع الذي تفاخر به الشركات كأجود نوع متوفر وتصل نسبة البروتين فيه إلى 14%، بينما قمح الشارقة به 18% من البروتين، والآن جمعية الشارقة التعاونية حجزت 9000 طن، وسيوزع باقي المنتوج من القمح على المؤسسات الأخرى، وإن شاء الله بعد تجارب مختبرية وحقلية سنصل إلى منتج يسمى "الشارقة-1"، وسيكون أرقى نوع من القمح الذي نفاخر به".
وأضاف سموه: "هذا المنتج من قمح الشارقة حصلت بموجبه دائرة الزراعة والثروة الحيوانية على 5 شهادات معتمدة في الجودة، لأن طريقة زراعته ونوعه خاليين من المواد الكيمائية كما أن كل السماد الذي غُذي به هو سماد طبيعي، وحتى احتياج القمح إلى المواد المعدنية المطلوبة توفرت له من مواد طبيعية، وبذلك يكون هذا القمح خالياً من أية سموم أو مكونات كيميائية تُغيّر من طبيعته كمادة غذائية أو تزيد انتاجه، كما أن لونه يميل إلى الأسمر، وهذا دليل على كمية البروتين الكبيرة فيه، وحتى عمليات الري الخاصة به تمت الاستعانة فيها بأحدث التقنيات والأقمار الصناعية للتحكم في كمية المياه لضمان الري الجيد، حيث تم توفير نسبة 40% من المياه، وكل هذا الجهد اكتمل والحمد لله خلال ستة أشهر فقط".
وأثنى صاحب السمو حاكم الشارقة على التعاون المثمر مع العديد من الجهات والمؤسسات داخل الإمارة وخارجها، والذي أسهم في نجاح المشروع في زمن قياسي، مثمناً دور الشيخ سالم بن محمد بن سلطان القاسمي، المستشار بمكتب سمو الحاكم، الذي دعم وشجّع الفكرة وساهم في تأسيس جمعية مزارعي القمح.
وأشار سموه إلى أن مشروعات التنمية واحتياجات المنطقة مستمرة، ولا تتوقف على زراعة القمح فقط، بل هي متواصلة في الكثير من الجوانب الغذائية، ومنها الخضروات، قائلاً سموه: "بدأنا مشروع زراعة الخضروات منذ سنتين إلى ثلاث سنوات وهي زراعة خضار عالية الجودة وخالية من السموم والمبيدات، حتى يتمكن أطفالنا وأبناؤنا من العيش في سلام، لأننا نلاحظ انتشار أمراض السرطانات، وكلها من السموم التي تعمل على زيادة حجم وشكل المنتوج ولكنها تتسبب في أكبر الأضرار الصحية، ولذلك نحن نستمر في زراعة الخضروات لدينا لأنها خالية من كل هذا".
وتحدث سموه عن المنتجات الحيوانية ومنها الألبان، التي يكون المستورد منها يحوي مواد حافظة، إلى جانب قيام الشركات باستخلاص المواد الدهنية كلها، مما يفقدها قيمتها الغذائية الحقيقية مضيفاً: "نحن نعمل الآن على مشروع تربية الأبقار وهو برنامج مخطط له، يضم 1000 بقرة من نوع "الفريزيان" كلها عِشار، وكل ما في بطونها من الإناث وستتضاعف أعدادها وسننشئ مصنع ألبان لهذا العدد الكبير، وكذلك للصناعات التي تعتمد على منتجات الألبان".
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة، أن مشروعات المياه هي الأخرى تحظى باهتمامات سموه، حيث خصصت لها عدة مشروعات تعمل على توفيرها وتخزينها في مختلف المناطق نظراً لطبيعة مناخ دولة الإمارات العربية المتحدة الصحراوي، وقال سموه "نعمل على إنشاء بحيرات في مختلف مناطق الشارقة، منها بحيرة البطحاء في الذيد، والرفيصة في خورفكان، والحفية في كلباء، وذلك كاحتياطي للاستخدام في حالات الطوارئ، وستكفي بإذن الله المدن عند الضرورة، كما نعمل على تخزين المياه الفائضة من استخدام الناس في فترة الشتاء مقارنةً بفصل الصيف وتصل إلى 40%، ونعمل الآن على خزان في "المِدَيّنَة" وسط الجبال بسعة 5 مليارات جالون، وهو يكفي للزراعة وحاجة الناس، وسنخزن فيه الفائض من الماء ليكون احتياطي للمنطقة الوسطى، كما لدينا بحيرة الذيد ومسافتها 2200 كيلومتراً، ولها مميزات قيمة جداً على المنطقة إلى جانب حفظها للمياه، حيث تعمل على تلطيف الطقس خلال فترات الصيف الحارة جداً، إلى جانب الرطوبة التي ستغطي المنطقة كلها كون نسبة التبخر منها ستكون عالية".
ودعا سموه أبناءه وبناته إلى شكر الله سبحانه وتعالى لكل النعم التي ينعم بها على الناس، والعناية بالدين الإسلامي وعدم تضييع أمور الدين بالدنيا ومكاسبها وملذاتها، وقال سموه "كذلك ندعو إلى المحافظة على الوطن، فالوطن غالٍ، وأجدادكم كان يمكن أن يرتحلوا من هذا المكان بسبب شظف العيش أو الطقس، ولكنهم تمكسوا بأماكنهم ووطنهم، وعلينا أن نمسك في الوطن حتى إذا أراد أحدٌ أن يقتلعنا لا يمكن له أن يخلعنا من أرضنا، وعلينا المحافظة على الهوية، والقيم، ونظافة بلدنا، مضيفاً سموه أن قناة "الوسطى من الذيد"، تعرض كل ما في المنطقة من قيم وتراث وطبيعة مما يعمل على تأصيل كل هذه المكونات الفريدة للبيئة وأهلها، داعياً الناس إلى مشاهدة القناة واستيعاب ما تقدمه وفهم مغزاه وأن ينقل إلى الواقع وأسلوب الحياة.
واختتم صاحب السمو حاكم الشارقة كلمته بتوجيه الشكر والتقدير، إلى كل من ساهم في مشروع مزرعة القمح بمليحة.
وكان صاحب السمو حاكم الشارقة قد أزاح الستار للإعلان عن هوية وشعار مؤسسة الشارقة للإنتاج الزراعي والحيواني "سبع سنابل"، وأذن سموه ببدء عملية الحصاد في مزرعة القمح من خلال قرع جرس الحصاد.
ثم تابع سموه عملية حصد القمح التي أجريت باستخدام أحدث الآليات المعدة خصيصاً للحصاد، بأفضل التقنيات حيث تقوم عملية الحصد من خلال ثلاثة آليات الأولى لحصاد القمح تفصل من خلالها الحب عن القش، والثانية آلة تجميع القش، والثالثة ضغط قش القمح وتحويله إلى بالات.
وتسلم سموه عينة من أولى حبوب القمح، التي جرى حصدها، كما تذوق سموه الخبز، الذي تم إعداده من قمح المزرعة المحصود.
وتجول سموه في منطقة الفعاليات المصاحبة للحفل شاهد خلالها عرضاً لعملية الحصاد في القِدم، وطريقة طحن المحصول بواسطة "الرحى"، وإعداد الخبز، إضافة إلى عرض بعض المنتجات الغذائية.
وشاهد سموه عرضاً مرئياً بعنوان "الجذور"، الذي يروي قصة العودة إلى الأرض، وأهمية المشروعات الحيوية والزراعية، خاصة القمح في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم، والتي تؤثر في توافر الأمن الغذائي، ويبلور نجاح الشارقة في مشروع زراعة القمح بأيدٍ وطنية، والذي توج بحصاد "سبع سنابل"، إضافة إلى جهود الآباء والأجداد في تنمية الأراضي، مؤمنين بالله ومتسلحين بالثقة لتوفير مستقبل غذائي آمن للأجيال المقبلة.
كما تابع سموه عرضاً مصوراً بعنوان "قمح مليحة"، يسلّط الضوء على مراحل المشروع، منذ الإعلان عنه في مارس من عام 2022 والبدء بتهيئة الأرض ومسحها وتجربة 35 صنفاً من القمح لاختيار الأنسب والملائم لزراعته في الشارقة، وصولاً إلى إنشاء خطوط ومحاور الري، وفي 30 نوفمبر 2022 كانت مرحلة نثر بذور القمح في محاورها الـ 9، وصولاً لليوم المنشود والذي تم البدء بحصد محصول "سبع سنابل".
وتسلم صاحب السمو حاكم الشارقة هدية تذكارية من دائرة الزراعة والثروة الحيوانية، تمثلت في سنابل القمح التي بذرها سموه في المزرعة، شكلت شعار مؤسسة الشارقة للإنتاج الزراعي والحيواني.
كما كرم سموه الجهات الراعية والداعمة تقديراً لجهودهم الكبيرة التي ساهمت في نجاح مشروع مزرعة القمح، مهدياً إياهم الدروع وملتقطاً معهم الصور التذكارية.
وكان لس
عادة الدكتور خليفة بن مصبح الطنيجي، رئيس دائرة الزراعة والثروة الحيوانية، كلمة خلال الحفل استعرض فيها الجهود التي بذلت لإنجاح المرحلة الأولى لمزرعة القمح، والتي كان وراءها جنود كثر، سابقوا الزمن، وتخطوا الصعاب، للحاق بالموسم الزراعي، مشيراً إلى الاهتمام والدعم الكبيرين من صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وتوجيهاته لزراعة نظيفة خالية من أي مواد كيميائية، وغير معدلة وراثياً، موضحاً حصول قمح "سبع سنابل" على شهادة "الهاسب" لاستيفائها شروط الزراعة الآمنة والنظيفة، وشهادة "عضوي" لتطبيق اشتراطات الزراعة العضوية، وشهادة "NON GMO"وهي اعتراف بعدم استخدام البذور المعدلة وراثيا، وكذلك استيفاء متطلبات علامة الجودة الإماراتية وشهادة صنع في الإمارات، وموجهاً شكره وتقديره لجميع الجهات التي ساهمت في نجاح المرحلة الأولى.
واختتم رئيس دائرة الزراعة والثروة الحيوانية حديثه بمقولةٍ للمفكر الراحل جبران خليل جبران: "ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تنسج، وتشرب مما لا تعصر" معلقاً: "ليته كان على قيد الحياة ليسمع قول سلطان الخير: "كنا نأكل مما نستورد، والآن إن شاء الله سنأكل مما نزرع".
ويعد مشروع مزرعة القمح في منطقة مليحة الذي أطلقه صاحب السمو حاكم الشارقة في شهر مارس من العام الماضي، إحدى المشاريع الاستراتيجية في الأمن الغذائي، والتي تنتج سلالات وأصنافاً عالية النقاوة من القمح، الذي يتناسب مع طبيعة المنطقة ويوفر الاحتياجات الغذائية.
حيث تضم المرحلة الأولى من زراعة القمح على مساحة 400 هكتار ثم تزيد المرحلة الثانية في العام 2024، وتكتمل المرحلة الثالثة والأخيرة في العام 2025، وقد تم تجهيز البنية التحتية للمزرعة التي تتضمن خطوط الري بما يوازي 13 متر طولي، وأعمال الكهرباء بما يوازي 10 آلاف متر طولي، وتضم المزرعة محطة تجميع مياه للري بمواصفات فنية عالية تعمل على تغذية خطوط الري بشكل رئيس عبر 6 مضخات سحب كبيرة، لتزويد المحاور بالمياه، بطاقة تصل إلى 60 ألف متر مكعب من المياه على مدار ساعات اليوم، ويتم نقل المياه من محطة حمدة على خط ناقل طوله 13 كيلومتراً وصولاً إلى المزرعة.
وتقوم عملية الري في المرحلة الأولى على 8 محاور، تعتمد فيها على الذكاء الاصطناعي في تطوير عملية الري والتحكم فيه عبر بث معلومات حول الطقس والتربة، إلى المركز الرئيس لعمليات الزراعة لضبط وتنظيم معدل استهلاك المياه.
شهد الحفل بجانب صاحب السمو حاكم الشارقة، كل من الشيخ سالم بن محمد بن سلطان القاسمي المستشار بمكتب سمو الحاكم، والشيخ محمد بن سعود القاسمي، رئيس دائرة المالية المركزية، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية، والشيخ محمد بن حميد القاسمي، رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، والشيخ ماجد بن سلطان القاسمي رئيس دائرة شؤون الضواحي والقرى، ومعالي عبد الرحمن بن محمد العويس وزير الصحة ووقاية المجتمع، ومعالي مريم بنت محمد المهيري وزيرة التغير المناخي والبيئة، ومعالي عبد الله بن مهير الكتبي وزير شؤون المجلس الأعلى للاتحاد، وعدد من كبار المسؤولين رؤساء ومدراء الدوائر الحكومية وأعيان المنطقة.