الشارقة 24:
ضمن برنامجه الاحتفالي باليوم العالمي للشعر، نظم "بيت الشعر" بدائرة الثقافة في الشارقة أمس الثلاثاء، وبالتعاون مع الجامعة القاسمية بالشارقة، أمسية شعرية على مسرح مكتبة الجامعة القاسمية، جذب صداها جمهوراً كبيراً من الشعراء والمثقفين والإعلاميين وطلبة الجامعة وعشاق القصيدة، وأحياها الشعراء جمال الملا، ومضر الألوسي، ود. إيمان عبد الهادي، ونادي حافظ، بحضور محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية، والشاعر محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر، والدكتور عواد الخلف مدير الجامعة القاسمية، وقدمها الدكتور أحمد عقيلي، الذي ثمن جهود دائرة الثقافة وبيت الشعر في الاحتفاء بالشعر في يومه العالمي، ومواكبة أهم الفعاليات الشعرية ضمن برنامجه السنوي الذي بات تقليداً يضبط عليه محبو الشعر توقيت قلوبهم وانتظاراتهم.
واحتفت قصائد الشعراء بالوجود، والمشاعر الإنسانية على مختلف أحوالها، بينما احتلت الرؤى الفلسفية والذاتية والحكمة أغلب مواضيع القصائد، وتبارى الشعراء المشاركون في تقديم نصوص حافلة بالشعر وجماليات اللغة والصور البديعة، في إطار متنوع بتنوع بيئاتهم، ورؤاهم ومدارسهم الشعرية، مما جسد لوحة شعرية مكتنزة بالدهشة والإبداع، نالت استحساناً كبيراً ولافتاً من الحاضرين.
افتتح القراءات الشاعر جمال الملا بقصيدة عالية بليغة في مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام، جاء فيها:
يا ابن الذبيحين يا من في تقلبه
في الساجدين أضاء المنتهى مددا
صلبا فصلبا كريما كان منتقلا
حتى تجلى قريشيا بذات ندى
وأي أم نبي مثل آمنة
وقد ترائت قصور الروم إذ ولدا
ثم قرأ نصاً محتشداً بالأسئلة الوجودية التي تسعى الروح من خلالها إلى العبور من عتمة التغرب نحو النور، في لغة جزلة، وسهلة ممتنعة، تستلهم لغة وقصص التراث، ويحضر فيها الرمز عبر شخصيات تخذها الشاعر أقنعة للتعبير عن نفسه من خلالها، يقول:
أنا الذي غاب حد المحو منخلعا
وعاد من حضرة الإطلاق ممسوسا
وعاد يركض ما بين القرى وجلا
يهدي النهار كتابا ما وفانوسا
وعاد يطفئ أشكالا محنطة
مآذنا.. مذبحا .. برجا وناقوسا
تلاه الشاعر مضر الألوسي الذي بادر بتحية الشارقة بقصيدة رشيقة اللغة، مبتكرة التصاوير، أطربت الحاضرين الذين أصروا عليه ليعيدها على أسماعهم يقول فيها:
على البابِ تلميذةٌ طارقةْ
مدارسُ في عينها غارقةْ
فتحتُ لها فاستحالت وسالتْ
و قالت أنا اللحظةُ الفارقةْ
وكلُّ الحسانِ التي قد رأت
عيونيَ من حُسنها سارقةْ
فأصبحتُ تلميذها وهي تُلقي محاضرةَ السدرةِ الوارقةْ
فقلتُ لها فاقَ وعيي جمالُك
ما اسمكُ؟ قالتْ أنا الشارقةْ
ثم قدم عدة قصائد تعزف على وتر الذاكرة، وتكشف عن رسوخ فكرة الهوية والانتماء لدى الشاعر، وتعكس تجربته مع الشعر والحب والحياة، كما تُبرز تمكنه من لغته وعمق تجربته الشعرية من خلال الاشتغال الفني واللغوي المكثف، والقيم الإبداعية والجمالية في النصوص منها:
وطن وجوع وانتظارُ
الموت في وطني اختیارُ
أجلت موتي للجميع
وما تعطلت العشارُ
وبقيت وحدي في الطريق
تلم آثاري القفارُ
مذ كنت طفلاً علقوا
وطناً على كتفي وساروا
تلته الشاعرة إيمان عبد الهادي التي قدمت نصوصاً، عالية الشفافية، والحبك على المستويين الفني واللغوي، تشي بالاشتغال المكثف على التجربة الشعرية، والتمكن اللافت من الأدوات الفنية، وتمحورت مواضيعها حول تشظيات الذات وتساؤلات الغربة، بينما علا صوت الوطن/ الأم التي سرقت أبناءها المنافي من خلال السطور، تقول في قصيدتها "نزهة المشتاق" التي دونت تشظيات الذات الشاعرة وهي تقف أمام أبواب الأربعين، تقول:
أمامَ الأربعينَ رأيتُ عُمري
يسيلُ على ( الفَوَاتِ) ولا يَسيلُ
يُميِّعُهُ المُضيُّ بلا جهاتٍ…
ويعصمُهُ الوُقُوفُ المُستحيلُ
وتُربِكُهُ كطِفلٍ نرجسيٍّ
رؤاهُ، وطبعُهُ النَّزِقُ العَجولُ
كما قرأت قصيدتها بعنوان " سمرقند"، جاء فيها :
وأنا أبصركِ الآن تماماً
وأنا أبصركِ الآن مرارا
مِلءَ عينينِ، كأنّي في الرّما
دِ الرّخوِ قد آنستُ نارا
فانظري إن كانَ في نجمكِ، أعـ
ــني: ثقبَكِ الأسودَ ما يكفي الحيارى
تلاها الشاعر نادي حافظ الذي تضمنت قصائده في تجلياتها بُعداً فلسفيا عميقا فكرة ومعنى، يشف عن تغرب الذات عن واقعها، وصراعها الوجودي المضني مع الغربة، فشدا للحب والوطن بفلسفة عاشق يتسرب النيل بين سطوره ساقيا أخيلته ثراء المعاني والصور...، يقول في قصيدته " صلاة ناقصة:
فِي حُبِنَا تَجِـدُ الخُرَافَـةُ شَكْلَهَـا
وتَحِـنُّ فَلْسَفـةٌ إِلَـى الهَـذَيَـانِ
مَـا بَيـنَ قَلْبَينَـا بِـلادٌ شُيّـدتْ
مِـنْ فِتْنَـةِ التّفّـاحِ بِالـرُّمّـانِ
مِـنْ أيِّ قَافِيَـةٍ سَأبـدَأُ مَوْجَتِـي
وبَـأيِّ هَاوِيـةٍ سَيَصْعَـدُ شَانِـي
ويقول في قصيدته " مئذنة بتول:
لي فيكِ سنبلةُ الرؤى
تعبَتْ تخزّنها الفصولُ
ولي الغرامُ إذا مشى
في الأرض موّالٌ يسيلُ
ولي اشتعالُ غمامتينِ
سقاهما بِالشِّعْرِ نيلُ
وفي الختام كرَّم محمد القصير الشعراء، ومقدم الأمسية بحضور مدير الجامعة القاسمية ومدير بيت الشعر.