حثت سعادة منال عطايا المدير العام لهيئة الشارقة للمتاحف، الجميع إلى مشاهدة أضخم جرة فخارية في الإمارات والمنطقة، يعرضها متحف الشارقة للآثار، والتي تم اكتشافها في موقع مويلح الأثري.
الشارقة 24:
يعرض متحف الشارقة للآثار، التابع لهيئة الشارقة للمتاحف، أضخم جرة فخارية أثرية في دولة الإمارات وسواحل الخليج العربي، والتي تم اكتشافها في موقع مويلح الأثري، ويبلغ ارتفاعها 155 سم وقطرها 141 سم، فيما يبلغ قطر فوهتها 94 سم.
وكانت البعثات الاستكشافية، قد تمكنت من العثور على الجرة الفخارية مغروسة في أرضية قاعة، تم اكتشافها ضمن مستوطنة تضم عدداً من المباني، ويعتقد المنقبون أن الجرة تم تصنيعها داخل القاعة، نظراً لاستحالة إدخالها عبر باب القاعة الذي يعتبر صغيراً جداً، أو قد تكون جدران القاعة بنيت حولها بعد تصنيعها، ولا يعرف ما إذا كانت هذه الجرة قد استخدمت لتخزين الحبوب أو في طقوس لا تزال مجهولة؟.
وعبر هذه الجرة الفخارية، وعدد كبير من اللقى التاريخية، يفتح متحف الشارقة للآثار، نافذة تطلع الزوار على تاريخ موقع مويلح الأثري، الذي كان جزءاً من طريق تجارة البخور مع جنوب شبه الجزيرة العربية وبلاد فارس، وفيه تم العثور على مجموعة كبيرة من المقتنيات والكنوز الأثرية المهمة، التي تعود إلى حقب زمنية سحيقة، وعصور مختلفة تصل إلى العصرين الحديدي والبرونزي.
واستقبل موقع مويلح، الذي يعتبر أحد المواقع الأثرية المتميزة في إمارة الشارقة، أولى البعثات الاستكشافية الأثرية التي تعاقبت عليه في تسعينيات القرن الماضي، وكشفت عن أدلة مهمة حول حياة ومهارة الناس الذين سكنوا المنطقة، خلال الفترة بين 900 و600 قبل الميلاد، وأبدعوا في صياغة طرق حياتهم وأنماط مبانيهم.
ويدلل المنقبون، على مهارة الأقوام الذين سكنوا منطقة مويلح، من خلال مستوطنة كبيرة تم العثور عليها، تتكون من عدد من الأبنية التي شيدت باستخدام قوالب الطين المجففة، ويحيط بها سور، وتضم مبنى إدارياً، يشمل قاعةً كبيرةً تصل مساحتها إلى 10 أمتار في 12 متراً، تحيط بها عدد من الغرف الملحقة، ويعد أكبر مكان مسقوف في الموقع القاعة التي وجدت جرة مويلح الكبيرة في داخلها.
ويكشف تصميم القاعة، عن براعة ومهارة مصممها، حيث استخدم أربعة صفوف من الأعمدة، يضم كل صف خمسة أعمدة لرفع السقف، وتمكن المنقبون من العثور على بقايا قواعد تلك الأعمدة المصنوعة من الحجر في مكانها على أرضية القاعة، أما الأعمدة ذاتها فهي مصنوعة من الخشب، ويثبت ذلك البقايا المتفحمة المتناثرة على أرض القاعة.
ودعت سعادة منال عطايا المدير العام لهيئة الشارقة للمتاحف، الجميع إلى مشاهدة هذه القطعة الأثرية الفريدة من نوعها، والمعروضة في متحف الشارقة للآثار، والتي تُظهر المستوى المتميز لحجم إنجاز علماء الآثار والمتخصصين الذين قضوا سنوات عدة في تجميع أجزاء متفرقة من الفخار دون معرفة شكل الجرة النهائي في بداية الأمر.
وتوجهت عطايا، بالشكر للفرق الأثرية العاملة في إمارة الشارقة، التي قامت بجهود كبيرة بعدما جمعت قطع الجرة عبر حملات استكشافية عدة استمرت سنوات عديدة، لتكشف لنا ماهية هذه القطعة الأثرية الغنية بالأسرار، والتي تحمل معها دلالات مهمة على تاريخ الإمارة العريق.
ورجح علماء الآثار، أن القاعة الضخمة كانت مركزاً إدارياً واقتصادياً للمستوطنة يلتقي فيه أعضاء النخبة الحاكمة، وينظمون فيها الولائم لضيوفهم، لا سيما أنهم وجدوا في داخلها عدداً من المصنوعات الفخارية والبرونزية الأخرى، من بينها كأس فخارية وغطاء مبخرة فخاري له ثقوب وعليه تمثال صغير لثور، فيما عثروا في غرفة مجاورة للقاعة على أكثر من 30 جرة صغيرة ذات مصبات ربما كانت تستخدم في مراسم الضيافة.
ولا تعتبر قاعة مويلح الوحيدة من نوعها التي تم اكتشافها، إذ تم العثور على قاعات مشابهة ذات أعمدة في مواقع أثرية أخرى في الإمارات من بينها الرميلة، وبدع بنت سعود، وفي البثنة ومسافي، وهي تعود للفترة الزمنية نفسها وتتشابه في وظيفتها مع وظيفة المجالس التي تنتشر في الوقت الحاضر في مختلف أقطار شبه الجزيرة العربية، وتعد ملتقى للأهل والأصدقاء والضيوف.
كما تم اكتشاف كسرة فخار، تحمل ثلاثة أحرف بالكتابة العربية الجنوبية /السبئية/، أي الكتابة الأقدم حتى الآن على مستوى الإمارات، وتعود للقرن السابع قبل الميلاد، وهي ذات الفترة الزمنية التي تم خلالها تطوير نظام الأفلاج لري المحاصيل، مما يثبت رسوخ الاستيطان البشري في فترة العصر الحديدي، ويجعل من منطقة مويلح شاهداً على العديد من الحضارات التي سكنت أرضها، ودليلاً على النشاط الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته المنطقة في تلك الحقب الزمنية.