تواجه طحالب البوزيدونيا البحرية المهمّة في مجال الصيد والسياحة بتونس، خطر الاندثار، بسبب جهل مزاياها من كثيرين، إضافة إلى التلوث والصيد العشوائي في محيطها، حيث تسهم أوراقها في كسر الأمواج وحفظ سواحل البلاد من ظاهرة التصحر.
الشارقة 24 – أ ف ب:
ينبّه خبراء في تونس، إلى أن طحالب البوزيدونيا البحرية المهمّة في مجال الصيد والسياحة، باتت تواجه خطر الاندثار، بسبب جهل مزاياها من كثيرين، فضلاً عن التلوث والصيد العشوائي في محيطها.
وتوضح الباحثة في مجال علوم البحار بتونس ريم زخامة صريب، أن تونس تملك أكبر تجمّع طحالب في البحر الأبيض المتوسط على حوالي نصف مليون هكتار.
وتنتشر هذه الغابات البحرية في أعماق تصل إلى خمسين متراً، وتلجأ إليها أصناف عديدة من الأسماك الصغيرة ومختلف الحيوانات البحرية التي تستخدمها كغطاء لها، وكمصدر لقوتها ومكان للتفريخ.
وتسهم أوراق "بوزيدونيا أوسيانيكا"، في كسر الأمواج وحفظ سواحل البلاد من ظاهرة التصحرّ.
ويشير الخبير في علوم بيولوجيا البحار ياسين رمزي الصغير، إلى أن مختلف الأنشطة الاقتصادية في تونس مرتبطة بالبوزيدونيا، وهي أكبر مصدر للتشغيل.
ويردّ الخبير ذلك، إلى أن قطاع الصيد البحري يشغّل 150 ألف شخص بصفة مباشرة، بينما يشغّل قطاع السياحة الذي يستفيد أيضاً من الصيد البحري عشرات الآلاف.
وتنبت هذه الطحالب بنسق بطيء، أي بمعدل خمس سنتيمترات في السنة، وتغرس جذورها داخل الرمال وتبسط أوراقها في الماء، حسب الخبراء.
وتخزّن هذه النبتة من خلال جذورها، غاز الكربون وتنتج في المقابل الأكسجين، لذلك أُطلقت عليها تسمية "الكربون الأزرق"، وفق زخامة التي تؤكد أن النبتة تنتج ما بين 14 و20 لتراً من الأكسجين في كل متر مربع.
وتمتص هذه الأصناف من الطحالب، بمعدّل أكثر من ثلاث مرّات ما تمتصه الغابات من غاز الكربون، وتخزّن منه كميات كبيرة لآلاف السنين، حسب الباحثة.
أمّا ياسين الصغير، فيضيف في واقع يشهد تغيراً مناخياً، نحن في حاجة للبوزيدونيا لتثبيت أكثر ما يمكن من الكربون.
وفي غياب الآليات والوسائل، يعجز الخبراء عن تحديد قيمة الدمار الذي لحق بهذه الأعشاب البحرية، خلال السنوات الفائتة، ولكنهم يندّدون في المقابل بالأنشطة غير القانونية على السواحل وتجهيز الشواطئ والصيد العشوائي وتركيز أحواض تربية الأسماك بالقرب من هذه الشعاب في بلد يعيش 70 % من سكانه على امتداد 1400 كم من السواحل الشمالية والشرقية والجنوبية.
وبسبب جهل الرأي العام وأصحاب القرار، تعتبر هذه الأعشاب غالباً نفايات، حي يوضح الخبراء، أنه يتم أحياناً استعمال جرّافات لجمع البوزودونيا من على الرمال، فيزيلون معها رمالاً ما يسرّع عملية جرف الشواطئ.
وحتى عندما تلفظها أمواج البحر على الشاطئ، تساعد الأعشاب البحرية في التخفيف من هيجان البحر وتلطّف من حدّة تكسّر الأمواج، وهي تساهم في تنقية الماء وتحسين جودتها وبريقها ما يجذب السيّاح للاستحمام إلى جانب هذه الشواطئ، حسب زخامة.
وتعتبر تونس مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم، لجمال شواطئها التي تساهم في تدعيم قطاع السياحة الذي يمثّل 14 % من الناتج الداخلي الخام خلال السنوات الأخيرة، لكن 44 % من شواطئ البلاد مهدّدة بالانجراف وارتفاع مستوى البحر.
ويؤكد المسؤول في وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي أحمد بن حميدة، نشارك في اندثار الشواطئ من خلال رفع البوزيدونيا.
ويرتبط 40 % من مجمل نشاط الصيد البحري، بشعاب البوزيدونيا، حسب الخبراء.
وأظهرت دراسة أنجزت في العام 2010، تراجعاً كبيراً لمساحات هذه الطحالب في خليج قابس، بسبب تواتر ظاهرة الصيد غير القانوني والتلوث الذي تتسبب فيه المنشآت الصناعية الموجودة على سواحل المنطقة.
وتمّ إنشاء مصانع تحويل مادة الفوسفات منذ السبعينات في المنطقة، ونتج عن ذلك فقدان 40 % من مساحات البوزيدونيا، في تقدير ياسين الصغير.
شمالاً، وعلى مستوى مدينة المنستير، لا يتغيّر المشهد كثيراً.
ويصطاد مازن مقديش، ثلاث مرّات أقل من كميات الأسماك التي كان يحصل عليها منذ 25 عاماً، ويوضح تقلّصت أعداد السمك في المياه الأقل عمقاً حيث نجد البوزيدونيا.
ويدرك هذا البحّار أهمية البوزيدونيا وفوائدها، ولكن يتفهم زملاءه لا سيما منهم صغار الصيادين بوسائلهم البسيطة، قائلاً: لا يبحثون عن مصلحة البحر ولكن عن طعام لأطفالهم ولعائلتهم، ويبدي أسفه لتدمير البحر الذي تُسكب فيه مواد كيميائية من كل صوب.
ويرغب أحمد بن حميدة من جهته، في الاحتفاظ بأمل إنقاذ هذا الكنز، خصوصاً عبر إنشاء أربع مناطق بحرية وساحلية محمية في كل من جزيرة جالطة وزمبرة وقوريا وكنّاس.
ويدقّ ناقوس الخطر قائلاً: إن لم نحم البوزيدونيا، فنحن نركض صوب الكارثة.