جار التحميل...

°C,
في جلستين بمدريد وقرطبة

"أيام الشارقة" تناقش دور القهوة والماء ببناء مشترك عربي إسباني

October 10, 2021 / 5:58 PM
من جلسات أيام الشارقة الأدبية في قرطبة
نظمت أيام الشارقة الأدبية، سلسلة من الجلسات حول حجم التبادل الثقافي التاريخي بين العرب والإسبان، وجمعت في كل من مدريد وقرطبة، نخبة من الأدباء والباحثين والكتاب في حواريات مفتوحة، حول تاريخ القهوة في المنطقة العربية وإسبانيا، ورمزية الماء ودلالاته في الأدب الأندلسي.
الشارقة 24:

شهدت فعاليات أيام الشارقة الأدبية، التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب، بالتعاون مع "البيت العربي" في إسبانيا، سلسلة من الجلسات النقاشية والندوات المعرفية، التي تتناول حجم التبادل الثقافي التاريخي بين العرب والإسبان، حيث جمعت "الأيام" في كل من مدريد وقرطبة، نخبة من الأدباء والباحثين والكتاب في حواريات مفتوحة حول تاريخ القهوة في المنطقة العربية وإسبانيا، ورمزية الماء ودلالاته في الأدب الأندلسي.

وجاءت الجلسات، التي عقدت في كل من مدريد وقرطبة، بعنوان "رحلة القهوة العربية"، وتحدث خلالها سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، وإنكارنا جوتيريز، وألفونسو كوبادو، فيما حملت الجلسة الثانية عنوان "الماء في الشعر العربي والأندلسي"، وتحدث خلالها كل من عوض خليفة بن حاسوم الدرمكي، وخوسيه ميغيل بويرتا، وخوان أنطونيو بيرنييه، بحضور سعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب.

القهوة.. سفير العرب إلى أوروبا ورمز للحوار واللقاء 

واستهل الدكتور المسلم، حديثه عن القهوة، بالقول: تعد القهوة أساساً للضيافة في المجالس العربية، هي رمز من رموز الكرم، كما أنه يوجد مهنة خاصة لمن يعد القهوة يسمى (القهوجي)، لذلك فإنه بعد إعلان اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971 تم وضع القهوة على الدرهم، في تأكيد على اعتزاز الإمارات بهذا الرمز.

وأضاف سعادة المسلم، يحمل الدرهم الإماراتي أحد أشكال وأنواع الدلال المعروفة في المنطقة العربية، وهي الدلة القريشية، التي تصنع من النحاس، وتوضع لها أقراط كأقراط النساء، مشيراً إلى أن أول دلة استخدمت في الإمارات تاريخياً هي دلة صنعت من الفخار، وصنعت في وادي حقيل (حجيل) في رأس الخيمة.

وعن أنواع دلال القهوة، أوضح المسلم، أن دلال القهوة في الإمارات ثلاث، وهي الدلة الكبيرة التي تسمى الخمرة، وذلك لأن القهوة تختمر بها، والدلة الثانية هي المزلة، والثالثة هي التلجيمة، التي تلقم فيها القهوة بالمطيبات، لافتاً إلى مطيبات القهوة عديدة، ومنها الزعفران، والهال، وماء الورد، والقرنفل، للمبالغة تضيف بعض القبائل العود في القهوة، وتسمى حينها (قهوة العود).

وتحدث عن ما يعرف في القهوة الإماراتية العربية بالفنجان المسبوع، وهو الذي يضاف إليه عدة نكهات؛ ماء الورد، والزعفران، والقرنفل، والهال، وجوزة الطيب، والبن، مشيراً إلى أن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كان يطلب هذا الفنجان ويحبه.

واستعرض المسلم، أسماء فناجين القهوة في التقاليد الإماراتية، بقوله: "لدينا تسميات لفناجين القهوة، منها فنجان الضيف، وفنجان الكيف، وفنجان السيف، وفنجان الحيف، وكلها لها حكايات مرتبطة بتقاليد"، وأضاف أما عادات شرب القهوة وخاصة للضيف، فهي أنه يجب عليه شرب ثلاثة فناجين، ومن العيب ان يرد أحدها، وبعد ذلك أي الفنجان الرابع، فيمكن للضيف أن يرده ويعتذر عن شربه.

من جانبه، توقف إنكارنا جوتيريز عند الدور التاريخي للقهوة في بناء جسور للتواصل والتبادل الثقافي بين العرب والإسبان، مؤكداً أن القهوة ظهرت في الحبشة، وانتقلت إلى اليمن ثم منطقة الخليج، ليتسع انتشاها وتصل بعد ذلك إلى شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط كاملة، في حين وصلت إلى أوروبا في القرن السادس عشر وتعزز حضورها في القرن السابع عشر، وهو ما فتح الباب لعلاقات استيراد قوية بين المنطقة العربية وأوروبا عامة.

وأوضح أن استيراد القهوة لم يكن مقتصراً على حبوب البن، وإنما شمل تبادلاً ثقافياً، وحضارياً، ودينياً كاملاً وصل مع القهوة إلى أوروبا، مشيراً إلى أن هذ الدور التاريخي للقهوة ترسخ عبر الزمن، وباتت القهوة اليوم رمزية للقاء والحوار والتواصل، بحيث لم يعد أي حوار في العالم وخاصة في المنطقة العربية يجري إلا في سياق (لنشرب فنجان قهوة معاً)، في إشارة إلى بدء الحوار والتعارف.

من جانبه، أبدى ألفونسو كوبادو، إعجابه الشديد بثقافة القهوة في الدول العربية وخصوصاً دول منطقة الخليج، وأضاف تعد القهوة من أهم رموز الضيافة لدى العرب، نتيجة ارتباطها بتاريخهم العريق، حتى أصبح لها تقاليد لإعدادها وطقوس لتناولها، بينما الأمر مختلف في أوروبا وشبه الجزيرة الإيبيرية، فهذه الثقافة ليست متجذرة وراسخة.

واستعرض أوجه الاختلاف في ثقافة تناول القهوة بين العرب والأوروبيين، لافتاً إلى أن الإسبان والأوروبيين عموماً يتناولون القهوة بشكل سريع بينما يرتبط هذا المشروب في الدول العربية بالذوق، ويعد مشروباً مهماً وجذاباً ويشعر من يتناوله بالسعادة.

وأشار إلى أن المنكهات تعد إحدى أوجه الاختلاف في ثقافة تناول القهوة بين العرب والأوروبيين، مشيراً إلى أن القهوة العربية تتميز بنكهة خاصة عند خلطها بالزعفران والهال، بينما الأوروبيين يحصلون على طعم مختلف للقهوة عند خلطها بالحليب والشوكولاتة.

الماء في الشعر العربي والأندلسي.. تاريخ لرمزية العذوبة والصفاء

وخلال جلسة "الماء في الشعر العربي والأندلسي"، أكد خوسيه ميغيل بويرتا، أنه مع ظهور الإسلام في الأندلس، بدأ استخدام الماء ودلالاته في الشعر والأدب وفي النصوص الصوفية الأندلسية بكثرة، معيداً ذلك إلى أن ثقافة الإسلام قائمة على الصفاء والسلام والحياة، ومؤكداً أن ذلك يمكن تلمسه في تأمل قصور الأمويين التي تتزين جدرانها بأبيات شعرية تتغنى بجماليات الماء، بالإضافة إلى أنماطها المعمارية التي تستند على البرك والنوافير.

وتوقف خوسيه عند حضور الماء في العمارة الأندلسية، والشعر الذي تغنى بالقصور في غرناطة، مشيراً إلى أن الماء تمظهر في عدة أوصاف، كان أبرزها الفضة، ووظف الشعراء جمالياته في الغزل، وفي المديح، وفي الرثاء وفي وصف الأمكنة، للحد الذي بات فيه الماء مقابلاً للجنة في الأدب الأندلسي، والنار مقابلاً للجحيم.

وأعاد الفضل إلى انتشار الحمامات وما يرافقها من تجربة الاستجمام إلى الثقافة العربية والإسلامية، موضحاً أن الحمامات في الأندلس قبل المسلمين كانت مقتصرة على النخبة من الأثرياء ورجال السلطة والحكام فقط ولم تكن متاحة للجميع.

بدوره، استحضر الشاعر والمترجم خوان أنطونيو بيرنييه، مجموعة من النصوص التي تكشف حضور الماء في الشعر العربي والأندلسي، مؤكداً أن الماء يمكن أن يشكل جسراً يربط الماضي بالحاضر من خلال التجربة الشعرية.

واستعرض بيرنييه، تجربة شاعرين قرطبيين، الأول قديم عاش في قرطبة قبل أكثر من ألف عام، والثاني معاصر، حيث بين وجه التشابه في تناولهما لمدينة قرطبة في نصوصهما الشعرية وتوقفهما عند الجماليات المتعلقة بالأنهار والبرك والنوافير والحدائق، وأكد أن حضور الماء لدى الشعراء في هذه المدينة لم يكن في الشعر القديم وحسب، وإنما هو موضوع متجدد يمكن قراءته وتلمسه في أعمال الشعراء المعاصرين حتى يومنا هذا.

من جانبه، أشار عوض الدرمكي إلى مكانة الشعر والشعراء عامة في الثقافة العربية، موضحاً أن القبيلة العربية كان إذا نبغ فيها شاعر تتوافد إليها القبائل وتهنئها به، لأنه سيحفظ ذاكرتها ويروي أمجادها، لهذا كانت تقام الأسواق للاحتفاء بالشعر والشعراء قديماً.

واعتبر الدرمكي، أن العرب أهل عمارة وبناء تاريخياً، لافتاً إلى أنهم حين عاشوا في الأندلس نقلوا فنون العمارة معهم، الأمر الذي كشف حجم عنايتهم بالشعر والشعراء، إذ باتت القصور تحمل القصائد على جدرانها، وباتت المعالم المعمارية والساحات يظهر ذكرها في قصائد كبار الشعراء الأندلسيين.

وأكد أن رمزية الماء وحضوره في القصيدة الأندلسية كبيرة ومتعددة الأشكال، موضحاً أن الشعراء العرب وظفوا الجليد، والمطر، والأنهار، والأودية، والبرك في تجسيدهم لرمزية الماء في قصائدهم، مستشهداً بذلك في قصيدة الشاعر الأندلسي لسان الدين الخطي:

جادك الغيـث إذا الغيـث همـى           يـا زمـان الوصـل بالأنـدلـس

لـم يكـن وصـلـك إلا حلـمـا              في الكرى أو خلسـة المختلـس

إذ يقـود الدهـر أشتـات المنـى           ينقـل الخطـو علـى ما يـرسـمُ

زمـرا بـيـن فُــرادى وثـنـا               مثلمـا يدعـو الوفودَ الموسـمُ

وحول "أيام الشارقة الأدبية"، وما شهدته من فعاليات وجلسات حوارية، أوضح سعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، أن الحديث عن مد جسور التواصل وتعزيز المشترك الثقافي بين العرب ونظرائهم من الأمم في العالم، ظل بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فعلاً يتجسد على أرض الواقع ونلمس أثره، ونكشف تأثيره وعمقه في الكثير من المبادرات والجهود، ففي فعاليات "أيام الشارقة الأدبية"، ظهر حجم التقارب والتأثير المتبادل بين الثقافتين العربية والإسبانية، وبرزت القيم التي يمكن الاستناد إليها لمزيد من العمل البناء لتوسيع أفق المشروع الحضاري للإمارة.
 
وأضاف العامري، نحن نؤمن أن الأمم القوية تنهض بانفتاحها على العالم وتوسع أفق حوارها معه، ولكن بالاستناد إلى تجربتها الأصيلة، وما شهدناه في فعاليات (الأيام) من تفاعل وحضور إسباني كبير، يعكس التأثير الكبير والتاريخي للثقافة العربية على أوروبا كاملة، ويعزز رؤيتنا تجاه الانطلاق من هويتنا الخاصة لفتح حوار متكافئ ومثمر مع مختلف الثقافات والحضارات في العالم.
October 10, 2021 / 5:58 PM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.