ينتظر الأفغانيون كل يوم، وتحت أشعة الشمس الحارقة، في طوابير طويلة أمام دوائر الجوازات، لإصدار وثائق سفر لهم ولأفراد أسرهم، من شأنها أن تخوّلهم مغادرة البلاد في حال استولت حركة طالبان على السلطة، من دون أن يدركوا إلى أين سيتوجهون.
الشارقة 24 – أ ف ب:
في طابور طويل أمام دائرة الجوازات في كابول، يقف عبد الخالد نبيار منتظراً أن يحين دوره لطلب إصدار وثائق سفر لعائلته، من شأنها أن تخوّله مغادرة البلاد في حال استولت حركة طالبان على السلطة.
ويوضح نيبار، بينما ينتظر على غرار المئات صباحاً تحت أشعة شمس حارقة، أنه جاء للحصول على جوازات سفر لعائلته لأنه لا يعلم أبداً ما قد يحصل.
ويضيف الرجل (52 عاماً)، الذي يخشى الاستهداف كونه يدير متجراً في قاعدة عسكرية تابعة لقوات حلف شمالي الأطلسي، إذا ازداد الوضع سوءاً، قد نضطر إلى مغادرة البلاد، شأنه شأن كثيرين يودون أن يكونوا على أهبة الاستعداد في حال ساءت الأمور.
لأكثر من مئة متر، يمتد صفّ الانتظار عند الثامنة صباحاً، ويستظل البعض من أشعة الشمس بمغلفات بلاستيكية، وضعوا فيها المستندات والأوراق المطلوبة لإنجاز جوازات سفرهم.
وتبدي مسؤولة انزعاجها من وجود الصحافيين، وتقول بانفعال، أن الحصول على جواز سفر هو طلب مشروع لكل أفغاني.
خلال الأسابيع الأخيرة، فاق عدد الراغبين بالحصول على جوازات سفر التوقعات، إذ يؤكد شرطي، استقبال نحو عشرة آلاف شخص يومياً، مقابل ألفين في العادة.
وتشنّ حركة طالبان منذ مطلع مايو الماضي، هجوماً واسع النطاق ضد القوات الأفغانية، تمكنت خلاله من احتلال مناطق ريفية شاسعة، مغتنمة انسحاب القوات الدولية من أفغانستان الذي يُستكمل نهاية أغسطس المقبل.
عند الخامسة فجراً، وصل المهندس خليل الله (36 عاماً) مع زوجته وأطفاله الثلاثة من محافظة بلخ الشمالية، للحصول على جوازات سفر حتى يتمّكن من الذهاب إلى مكان آخر إذا ساءت الأمور، ويوضح أنه وجد قرابة 300 شخص ينتظرون في الطابور، رغم وصوله باكراً.
بعد ختم مستنداتهم، ينتظر المتقدمون للحصول على جوازات سفر مجدداً، ويتوزع قرابة 150 رجلاً، والعديد من النساء مع أطفال، بشكل منفصل على مقاعد قبل دخول قاعة البيانات البيومترية المكتظة بدورها، وحيث يجلس موظفون خلف مكاتبهم منهمكين في التقاط صور للمتقدمين والحصول على بصماتهم إلكترونياً، عدا عن مسح قزحيات العيون عبر أجهزة رمادية.
ورغم وصولها باكراً، تعيّن على الطالبة في اختصاص المعلوماتية زينات بهار نازاري (23 عاماً) الانتظار لساعات طويلة، فالحصول على جواز سفر مسألة ضرورية نظراً للظروف السائدة، ورغم أنها كانت صغيرة للغاية أثناء حكم طالبان (1996 -2001)، لكنها تعرف الكثير مما سمعته من أفراد عائلتها.
وتوضح عندما كنا أطفالاً، روت عائلاتنا كيف كان مقاتلو طالبان يقتلون الناس أو يعملون على إخفائهم، ويتصرفون بعنف تجاه النساء ولا يسمحون لهن بالتعلم، عدا عن حرمانهن من حقوقهن الأساسية.
لكنها عايشت في السنوات العشرين الأخيرة، تجربة تمرّد الحركة، وتوضح الوجه الوحيد الذي أعرفه عن طالبان هو وجه الرعب: المعارك ومحاولات الاغتيال وحمامات الدم.
وتبدي الشابة خشيتها من الأسوأ، وتشرح عندما ترتاد المدرسة أو الجامعة، فإنك تأمل بمستقبل مشرق، لكن إذا استولت طالبان على السلطة، سيتلاشى هذا الأمل، وتعتبر أن عودتهم المحتملة إلى السلطة لا تبشّر بالخير، خصوصاً بالنسبة إلى النساء، لكن عند حديثنا عن مغادرة أفغانستان، أشعر بالحزن حقاً.
وتدرك قلّة ممن يحضرون للحصول على جوازات سفر إلى أين سيتوجهون، لأن كثيرين ومنهم زينات، يريدون تصديق أنه سيكون بمقدورهم البقاء في وطنهم، لكنّهم جميعاً يرغبون بأن يكونوا على استعداد تام.
لا يجد سرادار (52 عاماً)، الذي يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي ويخشى على حياته، بعدما عمل مترجماً لدى منظمة غير حكومية بريطانية، بديلاً من خيار السفر الموجع للغاية، ويؤكد حياتنا في خطر، ليس لدينا خيار.
ويخشى حجي سيد محمّد سلطاني (45 عاماً)، العاطل حالياً عن العمل، أن يختبر مجدداً تجربة اللجوء التي عاشها إبّان الغزو السوفيتي (1979-1989)، وخلال سنوات الحرب الأهلية (1979-1989) ثمّ أثناء حكم طالبان.
ويصرّ أنه طالما أنّ أفغانستان صالحة للعيش، فلن نغادر بلدنا، لكن على مدار العشرين عاماً الماضية، تمتّع الناس بالحرية، وإذا انهارت هذه الحكومة اليوم، فلن تكون هناك حرية.
ورغم سلسلة تعهدات وردت على لسان زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده، في رسالة نشرها قبل عيد الأضحى، في حال تولت حركته مقاليد السلطة، لناحية عدم الانتقام وخلق بيئة مناسبة لتعليم الفتيات، وإرساء السلام والأمن، إلا أنّ ذلك لا يطمئن المواطنين الأفغان، إذ يؤكد نبيار لا نصدق كلمة واحدة مما تقوله طالبان.