حفظ نفس الإنسان من مقاصد الشريعة الغراء، والوسائل المؤدية إلى تحقيق هذا المقصد مطلوبة شرعاً، ومنها الوقاية من الأمراض.
ومن أهم مظاهر العناية بها:
أولا: العناية الكبيرة بالنظافة المتمثلة في نظافة الجسد، التي تتحقق بالاستنجاء والسواك والوضوء والغسل وتقليم الأظافر والختان، وكذلك نظافة الثياب؛ فقد رأى النبي ﷺ رجلاً عليه ثياب وسخة فقال: "أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه"، وأيضاً نظافة الطعام والشراب؛ فقد أمر النبي ﷺ بتغطية آنية الطعام والشراب، وكذلك نظافة مصادر المياه، ونظافة الأماكن العامة؛ فقد قال الرسول ﷺ: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل".
ثانيا: الحجر الصحي: "يعتبر الحجر الصحي من أهم الوسائل للحَدِّ من انتشار الأمراض المعدية الخطيرة في العصر الحاضر، وبموجبه يمنع أي شخص من دخول المناطق التي انتشر فيها هذا النوع من المرض، والاختلاط بأهلها، وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها، سواء أكان الشخص مصاباً بهذا المرض أم لا، وقد بين النبي ﷺ في عدد من الأحاديث مبادئ الحجر الصحي بأوضح بيان"، ومن هذه الأحاديث: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها"، وقوله: "فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد".
وفي موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة: "والإعجاز النبوي يتجلى في هذه الأحاديث في منع الشخص المقيم في أرض الوباء أن يخرج منها حتى وإن كان غير مصاب، فإن منع الناس من الدخول إلى أرض الوباء قد يكون أمراً واضحاً ومفهوماً، ولكن منع من كان في البلدة المصابة بالوباء من الخروج منها حتى وإن كان صحيحاً معافى، أمر غير واضح العلة، بل إن المنطق والعقل يفرض على الشخص السليم الذي يعيش في بلدة الوباء، أن يفر منها إلى بلدة أخرى سليمة حتى لا يصاب بالعدوى، ولم تعرف العلة في ذلك إلا في العصور المتأخرة التي تقدم فيها العلم والطب؛ فقد أثبت الطب الحديث -كما يقول الدكتور محمد علي البار - أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب، وكثير من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً، فكم من شخص يحمل جراثيم المرض دون أن يبدو عليه أثر من آثاره، ....ومع ذلك فهو ينقل المرض إلى غيره من الأصحاء".
وكذلك نهى الإسلام عن مخالطة الصحيح للمريض مرضاً معدياً، ومن الأدلة على ذلك: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي ﷺ إنا قد بايعناك فارجع، وقوله ﷺ: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد".
ومما يجدر التنبيه إليه أنه لا تنافي بين الأمر بالوقاية من الأمراض بتجنب أسباب انتقالها وبين نفي النبي ﷺ للعدوى بقوله: "لا عدوى ولا طيرة .."، فالمراد بنفي العدوى كما قال النووي-رحمه الله-: "نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدى بطبعها لا بفعل الله –تعالى-"، وتؤيد هذا رواية أبى هريرة عن النبي ﷺ: "لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال: فمن أعدى الأول؟".