في إحدى زوايا اليأس يقبع ألم حزين حبيس نفوس ساخطة بين جدران من الهم والغم، والحرمان والضعف، أمامها باب تشققت ألواحه لتقطر منه الحسرات، لكن هناك بين ظلال الأحزان شيئاً يلمع بضياء مبهم، إذا استمالت تلك الأنفس إليه، فإنها تقبض على ما يفتح ذاك الباب الموصد، ويفرج الهم بمفتاح الفرج وهو الصبر.
والصبر أحبتي، هو دليل عناية الله بنا بتقلبات أحوالنا في الحياة، فقد قال صلى الله عليه وسلم "الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء" فمجموع الأفكار الإيجابية، التي يبثها الصبر في الأنفس تمتلك نوراً يضيء للمرء طريقه، ليستعيد توازنه، ويستمر في خوض مضمار الحياة.
وكذلك الصبر يا أحبتي، شجرة جذورها مرة، لكن ثمارها شهية، والصبر صبران صبر على ما نحب، وصبر على ما نكره، فنصبر على استثمار الخير، وأداء الفرائض، والعمل الصالح لننال ثمار صبرنا، واحتسابنا يقيناً جنات عرضها السموات والأرض. ونصبر على من نحب إن أخطأ، أو اكتأب بالنصيحة، والتذكير بالخير، ونجني ثمار المحبة والسعاده، فمن عرف قدر الجزاء صبر على طول العناء، ولا تزداد الأمنيات جمالاً إلاّ بالصبر على تحقيقها.
وتقلبات الأقدار كثيرة تختلف شدتها كاختلاف شدة مقياس الزلازل على الأنفس، ومهما اختلفت قسوة الحياة والأقدار، فالحل كله في الصبر، فمكعب الصبر تتقاذفه الأيادي في المحن فيذيبه السخط حيناً ويتصلد بالثبات والصبر حيناً آخر. وفي كل الأحوال لا نغير من الأقدار شيئاً، فإن سخطنا أثمناً، وإن صبرنا أٌجرنا بإذن الله، فإن تأخر الفرج عليك، أو أن حلماً طال انتظاره، وتأخر تحقيقه إيّاكم أحبتي أن تفقدوا الصبر يوماً، فما بين الحلم وتحقيقه وبين المصيبة والفرج صبر جميل. فالصابر ينال،أجره بغير حساب، فإذا ما أتاك الدهر يوماً بنكبة، فأفرغ لها صبراً، ووسع لها صدراً، فإن تصاريف الزمان عجيبة، فيوماً ترى يسراً، ويوماً ترى عسراً، فصاحب الصبر يصب عليه الأجر صباً. فالنصبر أحبتي على كل مكروه، لأن هناك الأجمل بانتظارنا مهما طال الصبر بنا.