درس الكاتب سابقاً معالم الخطاب الإسلامي المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبين أن من أهمها: الوسطية، وتعددية التدين، ومراعاة درجات التدين، والتقنين والانضباط في إدارة التدين، ومراعاة الأعراف، والإيجابية، والإنتاج والشمولية، والمعاصرة والمواكبة، والرفاهية والعيشة الكريمة، والعالمية، والتسامح.
وهذا المقال يتناول سمات الفكر الوسطي في مؤلفات الشيخ الدكتور عزيز العنزي، ويُقصد بالوسطية التيسي،ر وعدم التشدد والغلو وقبول التعددية والتسامح.
وتظهر أهمية هذا الموضوع ومثيلاته في عصر العولمة والتقنية، وباستحضار عالمية الإسلام في النقاط الآتية:
1- أن العالم العربي عموماً، والخليج خصوصاً محل صناعة الخطاب الإسلامي، ومنه ينتشر الخطاب إلى بقية الدول الإسلامية غير العربية، والأقليات المسلمة، بل وهو الأصل في تعليم غير المسلمين الإسلام، ومن هنا تعتبر المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الخليج قبلة الكثير من طلبة العلم، بل ووجهة علماء العالم الإسلامي في تلقي العلم والفتاوى وتبني الخطاب الديني. فحري بنا الوقوف على الخطاب الذي يقدّم لطلبة العلم الجيل الجديد.
2- أن الشيخ الدكتور عزيز العنزي من الشخصيات الدعوية، والإعلامية البارزة في الإمارات العربية المتحدة، وله جهود ونشاط علمي لا يخفى بين طلبة العلم والمهتمين، فمن الإسهام العلمي إبراز فكره الوسطي لينتفع به أبناء العالم الإسلامي.
3- كما أن المقال يبين القدر المشترك بين الخطاب الإسلامي المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبين الفكر الوسطي لدى أحد أبرز المتحدثين بالإسلام، ويتيح فرصة المقارنة بين الأمرين.
أهم مؤلفات الشيخ الدكتور عزيز العنزي:
يجدر بالذكر أن حدود هذا المقال هو مؤلفات الشيخ الدكتور عزيز العنزي، دون محاضراته ودروسه ومقالاته، أو فتاويه، ومن أهم كتب الشيخ في هذا الصدد:
• الأربعون في الاعتقاد. • هيبة الدولة واجب ديني وضرورة دنيوية. • البصيرة في الدعوة إلى الله. • الاستغفار. • حرمة الدماء في الإسلام. • خلاصة الكلام في التخلص من المال الحرام. • زبدة الكلام في التخلص من المال الحرام. • أحكام الحرفة وآثارها في الفقه الإسلامي.
سمات الفكر الوسطي في مؤلفات الشيخ:
من أهم ما يبين للقارئ سمات الفكر الوسطي في مؤلفات الشيخ ما يأتي:
1- الانطلاقة من قطعيات الدين والاهتمام بها: يجد المتتبع أن كتاب الشيخ المعنون بــ: " الأربعون في الاعتقاد" هدف إلى جمع واحد وأربعين حديثاً في قطعيات الدين، جلها في أصول الدين، وذلك لأن يهتم المسلم بعقائد الإسلام التي تجمع المسلمين، ولم يتطرق الكتاب إلى آراء علماء الفكر الإسلامي حول تفاصيل هذه القضايا، كما أنه لم يفصّل كثيرا بالشرح والتعليق على هذه الأحاديث استجابة للمقام.
2- التحذير من جريمة تكفير المسلم أو تفسيقه: من فقه الشيخ ووسطيته أنه ألّف كتاباً خاصا،ً عني بأن الأصل في المسلم الإسلام، وحذّر من إشكالية التكفير والغلو فيه، وبين أنه لا ينبغي الكلام في التكفير إلا خواص العلماء، وأن التكفير من حق الله، وأصّل لذلك أيما تأصيل. ومن جملة ما أورد هنا من قواعد "عدم التكفير باللوازم" فلازم القول ليس بلازم، وأن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال، وأنه لا يكفرّ مسلم بالذنوب وغير ذلك، مما اتفق عليه أهل العلم، وأكد هذا الكلام في كتابه العواصم من الفتن.
3- التسامح، ومحاربة التطرف وإراقة الدماء باسم التدين: خصّص الشيخ كتاباً كاملاً أسماه "حرمة الدماء في الإسلام" بيّن فيه أن الإسلام يرفض إراقة الدماء بغير حق معلوم وواضح دون أدنى شبهة، وأن الإسلام لم يحفظ دم المسلم فحسب، بل حفظ دم غير المسلم ذمياً كان أو مسأتمناً أو معاهداً، وأصل لذلك تأصيلا، وقد حظي هذا الموضوع بالتأكيد في كتابه العواصم من الفتن.
4- ضبط التدين بآراء أهل الحل والعقد وولاة الأمور: فالإسلام يقوم على قطعيات متفق عليها، وعلى ظنيات تباينت آراء علماء فيها، والأصل أن المختلف فيه يمثل تسامحاً وثراء في التراث العلمي، يعذر بعضهم بعضا فيه، لكن يمكن أن يضبط هذا الخلاف إذا ما تبنت الجهات المعية رأياً معيناً، مثل الشؤون الإسلامية، أو أهل الحل والعقد.وأصل الشيخ لهذا في كتابه "هيبة الدولة واجب ديني وضرورة دنيوية" وذكر قاعدة "حكم الحاكم يرفع الخلاف"، ووجوب الاتفاق وحرمة الاختلاف، وقد نبّه على الأمر في كتابه العواصم من الفتن.
5- مراعاة الربانية للإنسانية: من أهم ما يميز هذا الدين أنه وحي إلهي، لكنه نزل من السماء لمصلحة الإنسان وهدايته، ومن هنا فإن هناك انسجاماً بين الربانية والإنسانية، وهذا مظهر من مظاهر الوسطية. ولعل كتاب "الاستغفار" للشيخ يرمز إلى هذا. حيث سعى الكتاب إلى بيان فضل الاستغفار وأهميته، وأن باب التوبة مفتوحة، وأن الله يحب المستغفرين، وفي هذا كل الوسطية فإن الإنسان ضعيف ليس بكامل، وإن الله هو العفو الغفور.
وقف الكاتب من خلال الدراسة ومن خلال المؤلفات والمسائل التي تناولها على الأمور الآتية:
1- الخلفية العلمية للشيخ تدل على أنه حنبلي المذهب، وسلفي التوجّه بحكم مكان الدراسة والنشأة، فقد تربى في المملكة، ودرس فيها وعلى يد مشايخها، وهو خرّيج إحدى كبريات جامعاتها. لكن مع ذلك فلم يقف الباحث في كتب الشيخ على ما يقلّل من مكانة المذاهب الإسلامية الأخرى، ولا التقليل من الفكر الإسلامي الثري الذي توارثه العلماء جيلاً عن جيل. وهذا دليل وسطية وسعة نظر، وإن رجّح رأياً يذكر أن الوسطية، وتعددية التدين، والتسامح من أهم معالم الخطاب الإسلامي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
2- الشيخ متخصص في الفقه أكثر منه في أصول الدين، علماً أن الوسطية والتسامح يظهران أكثر في موضوعات أصول الدين، ودراسة قضايا الخلاف في الفكر الإسلامي.
3- ولعل بحكم تخصص الشيخ في الفقه لا نكاد نجد له حديثاً عن الفرق الإسلامية، ولا الملل والنحل، وهي من أهم موضوعات تخصص العقيدة وأصول الدين، وهي الجوانب التي تبين الوسطية والتسامح، ولا بدّ من الموضوعية والوسطية في تربية الجيل الجديد وتعليم المتخصصين.
4- يغلب على أسلوب الشيخ وخطابه الطابعٌ الدعوي والإرشادي أكثر من الطابع الأكاديمي، والفرق دقيق بين مسمى "الشيخ" ومسمى "الدكتور"، يعرفه أصحاب الاختصاص.