يومياً، تطالعنا الأخبار باختراقات جديدة، فهل يفلح "الفيسبوك "ومعه كل الوسائل الإلكترونية، في الوقوف وجهاً أمام المتطفلين، والتصدي للانتهازيين، بحماية البيانات الشخصية؟، أم أن الهوة تتسع بين الممارسة والمأمول، والحمض النووي يزيدها تعقيداً.
الشارقة 24 – أ. ف. ب:
يضيف توقيف سفاح في كاليفورنيا بالاستناد إلى قاعدة "دي أن إيه" تابعة لموقع يعنى بعلم السلالات، بعداً جديداً على التحدي الذي تطرحه حماية البيانات الشخصية.
"جوزيف جيمس دي أنجيلو" هو شرطي سابق يبلغ من العمر 72 عاماً يشتبه في أنه ارتكب 12 جريمةً قتل وما لا يقلّ عن 50 جريمة اغتصاب في السبعينات والثمانينات في كاليفورنيا.
وتم الإمساك به بفضل تشابه بين ملامحه الجينية، وتلك التابعة لفرد من عائلته الواسعة، عثر عليها في قاعدة بيانات تابعة لمجموعة "جيدماتش" ومتاحة للعامة.
وأظهر استخدام الشرطة لهذه البيانات الجينية، أن المعلومات الأكثر خصوصية، باتت بدورها في متناول الجميع مجرد الضغط على الشاشة.
ويلجأ مثلاً الباحثون في علم الجريمة، إلى المروحة الواسعة من البيانات الشخصية المعروفة بـ "البيانات الضخمة"، في مساعيهم إلى تحديد ملامح الأشخاص الأكثر ميلاً إلى ارتكاب الجرائم، رغم مخاوف من تفاقم الأفكار النمطية العرقية، والاجتماعية الاقتصادية.
ويفيد "جوزف توروو" الأستاذ في كلية أنينبرغ للاتصالات في جامعة بنسيلفانيا إن "الحمض النووي يندرج في إطار المشكلة العالمية الأوسع نطاقاً، القاضية بمعرفة كيف نصنّف الأشخاص ضمن فئات في القرن الحادي والعشرين".
ويعتبر الأكاديمي أن علم الوراثة جزءٌ من المخاوف التي يثيرها علم المقاييس الحيوية، مشيراً إلى أن "الوجه والصوت والجينات وأعضاء الجسم، كلّها عوامل باتت تستخدم في محاولات تحديد الهوية".
وبعد الإحصاءات والتحليل بالتجزئة، واستراتيجيات الاستهداف، ورسم ملامح نفسية، ديموغرافية، بات الباحثون يلجؤون اليوم إلى تحاليل مكيفة بحسب الشخصيات لاستشراف أنماط السلوك، بحسب الخبير، الذي يحذّر من خطر الوقوع في شباك التمييز.
وتكون نتائج هذه الاستراتيجيات إيجابية، إذا ما تعلق الأمر بالحصول على تخفيضات، أو معاملة تفضيلية، بحسب عادات الشراء، وسلبية إذا لم يلق الزبون رضاً كافياً، فيُحرم مثلاً من الخدمة، أو تزاد الأسعار المقدمة له.
وماذا يحصل مثلاً "إذا بيّن فحص الحمض النووي أن شخصاً ما غير جدير بالحصول على بوليصة تأمين؟".
ويتساءل "توروو" إذا ما كان الأقرباء، أو أفراد العائلة الواسعة سيحصلون بدورهم على تأمين أو فرصة عمل.
وهو يلفت إلى أنه "من غير الممكن الفصل بين معطيات التسويق وبيانات الحكومة".
وكلّ المعلومات المنشورة على الإنترنت ركيكة، وغالبا ما يتمّ استخراجها بطرق غير شرعية أو ملتوية.
كما تبيّن من الهجمات المعلوماتية المتعددة، التي تعرضت لها المجموعات المصرفية، أو شركات التوزيع واستغلال بيانات "فيسبوك" من قبل الوكالة الأميركية للأمن القومي "إن اس إيه" و"كامبريدج أناليتيكا".
ونشر موقع "غريندر" للتعارف في أوساط المثليين، فحصوات دم تظهر إصابة أعضائه بفيروس الإيدز من دون موافقتهم.
النموذج الأوروبي
تجمع محركات البحث، من قبيل "غوغل" و"ياهو" أبحاث المستخدمين عبر الإنترنت ورسائلهم الإلكترونية.
في حين ترصد مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، كل العلاقات والصور وتخزّن أرقام الهواتف الذكية، والرسائل النصية وتحدد موقع المستخدم الجغرافي، وتسجّل مكالماته.
ويوضح "كيل برمان" الأستاذ المحاضر في الهندسة المعلوماتية في جامعة كورنيل "إذا ما استخدمتم هاتفكم الخلوي ليرشدكم إلى مواقع جغرافية ... فهو سيقيّم طريقة قيادتكم.
ولنفترض أنكم تعرضتم لحادث، فهل يمكن للشرطة تحليل هذه البيانات؟ وهل يمكن للرجل الثمل الذي صدم سيارتكم؟ أن يستخدمها ضدكم للقول إنكم تقودون عادة بسرعة كبيرة".
وكان "مايكل كوبس" العضو السابق في اللجنة الفدرالية للاتصالات "أف سي سي" قد كتب في صحيفة "يو أس إيه توادي"، أن "الشركات لم تفلح لسنوات كثيرة في حماية البيانات الشخصية، وفق الأصول بسبب قوانين ضعيفة جداً، بشأن السرية"، مشيراً "حان الوقت لتغليب حماية الحياة الخاصة للمستهلكين على جشع الشركات".
ولا بدّ للمشرعين من أن "يستحدثوا وسيلة معقولة لتحديد مفهوم الحياة الخاصة" والتوصل إلى "توازن" بين حماية البيانات الشخصية، والأمن القومي.
ودعا "كوبس" الكونغرس الأميركي إلى الاستلهام من التشريع الأوروبي الجديد، فلم يعد في وسع المواقع الإلكترونية، أن تورد في ملاحظة يستحيل قراءتها مدونة في أسفل الصفحة كيفية استعمالها لبيانات مستخدميها.
وينغي أن يتمكن هؤلاء من العدول عن قرار موافقتهم على هذا الاستخدام "بسهولة كبيرة" تحت طائلة غرامات رادعة تفرض على الشركات.
غير أن "توروو" يبدي تحفظات في هذا الخصوص، لافتاً إلى أن غالبية الأميركيين لا يتوانون عن تقديم هذه المعلومات، كما أن عمالقة الإنترنت لن يوفروا جهداً للتحايل على هكذا قيود.