لم تحظ أية مدينة في العالم، بمثل ما حظيت به مدينة الشارقة بهذا الحضور الكبير في معرض الكتاب لعاصمة النور باريس، في دورته الـ 38.
والسؤال: كيف استطاعت هذه المدينة الباسمة، أن تنافس، وتتفوق على مدن كبرى في العالم، وتسجل هذا الحضور المبهر على مستوى الكتاب، والثقافة، والفنون، والمسرح، والإبداع في التنظيم والتأثير، وتسحب بساط الأضواء والاهتمام عن مدن أخرى في العالم، كان لها السبق في تنظيم معارض الكتب؟
في الواقع هناك عوامل عديدة ساهمت بهذا الحضور المشرف، ليس فقط للشارقة ودولة الإمارات، بل للعالم العربي والإسلامي، لاسيما في وسط هذه الظروف حالكة السواد، التي يشهدها الوطن العربي، مع تعالي أصوات المدافع، وسفك الدماء وانتشار آلة التدمير والجهل.
تأتي الشارقة في وسط هذا الليل المعتم، لتشعل شمعةً، وتحارب الجهل بالكلمة الطيبة، وترفع لواء النور، بالتصميم والجهد المضاعف، الذي لا يعرف التأني، أو الفتور، من أجل هدف سام، وهو التأكيد بأن أمة الإسلام، هي أمة علم، وفكر، وحوار، وحضارة، وخلق رفيع، وأن طريقها لبلوغ هذا الهدف هو الإبحار في المعرفة، والتعايش، والحوار المبني على الاحترام المتبادل مع الجميع، وليس الاستعلاء، والاستكبار، أو من خلال أفواه البنادق، وآلات التدمير.
لذلك اتخذت الشارقة من منصة الفكر والكتاب منطلقاً لبلوغ هذا الهدف السامي، وكان لها ما أرادت، فمنذ أربعة عقود، رسم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، منهجاً للإمارة الباسمة، ليكون لها موطئ قدم بين مدن العالم المتحضر، والتي تستند على قوة الفكر كسلاح لمواجهة الجهل، وتتخذ من المعرفة سبيلاً، ومن القراءة منهجاً، ومن الحوار طريقاً للتخاطب مع العالم، وعززت بهذا السلوك المعرفي والحضاري علاقات الود والاحترام المتبادل ببن معظم شعوب العالم.
وبهذا الفكر الناضج، والنظر الثاقب، والفهم الصحيح للتعايش، أتقن حاكم الشارقة إدارة المعرفة، ووطد جسور الود، ونشر ثقافة الحوار الهادف مع الآخر، وأسس منهجاً عظيماً يُشار له بالاحترام، يدل على رقي فكر سموه، وتطلعاته نحو غد يسوده الود بين البشر، من خلال الجلوس مع الآخر على منصات الفكر والتحاور في منتديات المعرفة، أياً كان مذهبه، ودينه، ولونه، وثقافته، وعرقه.
وفي ظل هذا الفكر العميق، المحب لكل ما هو مخلوق على وجه الأرض، لبست الشارقة ثوب الفرح، لتنثره بين ساحات متحف اللوفر، وقصر الإليزيه ونهر السين، وسهول ومروج وجبال باريس المكسوة بالورد، والثلج الذي يشبه نقاء وصفاء أهل الإمارات.
اليوم بهذا الحضور في معرض باريس، برهنت دولة الإمارات، أنه مهما كانت مساحة الظلام، فلابد من نقطة ضوء يلتقي حولها البشر.
جاءت الشارقة لكي تنافس على تقديم المعرفة، وتعزيز لغة الحوار، بدلاً من تصويب فوهات البنادق، والتهديد باستعراض قوة التدمير، جاءت الشارقة وبحوزتها رصيد من التاريخ الناصع بحفظ حقوق البشر، وإرث حضاري مشرف في سجل احترام أهل الفكر، وتشجيع وإجلال العلماء، وحضارة يعترف بها الغرب قبل الشرق.
لم تشارك الشارقة من أجل المشاركة فحسب، بل لديها هدف سام، وهو التأكيد على أن البشر بإمكانهم التخطيط من أجل الارتقاء بمستوى فكر الإنسان، وتحقيق تطلعاته وأحلامه لغد آمن يحفظ كرامة وحقوق الإنسان.
دولة الإمارات تقول، ليس في ديننا مصطلح الإرهاب، والقتل، والتدمير، بل نحن نملك إرادةً، وقيم السلام، والتسامح، والعفو، وهذه مبادئ أصيلة في الدين الإسلامي السمح، نمد بها يد المحبة في هذا المحفل، وفي كل محفل شعاره الفكر، والحوار البناء.
الشارقة اليوم مصممة على مسح أباطيل الظلام، ودحض حجج أهل الجهل، الذين يقتلون الأبرياء باسم الدين، الشارقة وضعت كل ثقلها الثقافي، والتاريخي، والحضاري، لتبرهن للعالم أننا أمة تحمل مشاعل الفكر، والاحترام، والتقدير لكل شعوب الأرض.
دولة الإمارات، ممثلة بقامة ثقافية، وفكرية كبيرة، يجلها الشرق والغرب، هي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والذي يصر من خلال مشاركاته، وحواراته العلمية القيمة، في منصات الفكر، على نشر ثقافة الحوار، والفكر، والدفاع عن مصير أمة أساءت فئة من أبنائها لتاريخها العظيم، وشوهت دينها الحنيف، ومزقت القيم الأصيلة، وأهملت إرثها المعرفي.
شكراً باريس، على كل هذا الاحتفاء الفريد، والمستحق لمدينة الفكر والثقافة الشارقة، التي شرفت العالم بحضورها المتوهج، بمشاعل النور المتوقد، بعزائم أهل الفكر، التواقين لغرس قيم التسامح، والحب، والاحترام، والسلام بين أطياف البشر.