جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

المَرْأةُ المُسْلِمةُ...وتَحَدِّيَاتُ العَصْرِ

صورة بعنوان: MicrosoftTeams-Image
download-img
download-img
في حياتنا الثقافية والاجتماعية، وفي القرن الواحد والعشرين الذي نعيش في ظله، ظهرت مصطلحات جديدة، وصارت لها سلطة على العقول والأفهام، في مجالات الحياة المختلفة، وعلى مستوياتها المتنوعة.
أصبحت العولمة صاحبة السيادة، في حياتنا الثقافية والاجتماعية، حيث كُتبت فيها وعنها كتبٌ ومؤلفات، ونُشرت بحوث ودراسات، وعُقدت لها المؤتمرات والندوات، فدخلت علينا من كل باب وطاق، وهذه العولمة أو القَوْلَبَة-فيما ترمي إليه، تنتهي إلى صياغة محددة للناس الذين ينضوون تحت لوائها أو يركبون قِطَارَها، وبالتالي لن تكون أي ناحية من نواحي الحياة بمنأى عنها ونجاة من غوائلها. وقضية المرأة والعلاقة بين الرجل والمرأة، وهي القضية الاجتماعية والخلقية المهمة، والتي تقوم على ركائز عقدية وفكرية، قضية المرأة هذه واحدة من القضايا التي تتأثر بذلك الطرح أو الفكر العولمي الذي أُريد له أن يكون عالمياً، مع أنها قضية خاصة بكل أمة من الأمم، وخاصة بكل حضارة من الحضارات، لأنها تقوم على تلك المرتكزات الدينية والفكرية التي تختلف من أمة لأخرى، فهي ليست أشياء مادية تشكِّل تراثاً عالمياً لا يختلف. فكان هذا مسوّغاً لإلقاء بعض الضوء على جوانب من هذه القضية التي تهمُّ الجميع، من الرجال والنساء، في القديم والحديث. تطرفٌ... ووسطيَّة وقد تخبطت الأنظمةُ البشرية كثيراً في نظرتها للمرأة ودورها في الحياة، كما تخبطت في نظرتها للعلاقة بين الجنسين، فتأرجحت في انحرافها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار... وجاء الإسلام ليضع الأمر في نصابه، في هذه القضية، التي نحسبها من أخطر قضايا المجتمع وأكثرها أهمية. موضوعٌ ومنهجٌ ونوجز ذلك بكلمات سريعة نعرض فيها بخطوط عريضة مكانةَ المرأة في الإسلام، ونشير إشاراتٍ سريعةً لبعض التحدِّيات التي تواجهها المرأة المسلمة اليوم، وما ينبغي أن تكون عليه لتستطيع مواجهة هذه التحدِّيات. الكون كلُّه يقوم على قاعدة الزَّوجيَّة اقتضت حكمة الله تعالى وإرادته أن يقوم الخَلْق جميعُه والكونُ كلُّه على قاعدة الزوجيَّة، فقال الله: "سُبْحَانَ الَّذي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كلَّها مِمّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ"، "يس"36، وقال: "وَمِنْ كلِّ شيءٍ خَلَقنَا زَوْجَيْنِ لعلَّكم تذكَّرونَ"، "الذاريات 49".  وهي أيضاً قاعدةُ الحياةِ البشريَّة، فقد جعل الله، البشرَ أيضاً زوجين اثنين، ذكراً وأنثى، يميل كلٌّ منهما إلى اللقاء بالطرف الآخر، لأنه-سبحانه وتعالى-قد ركَّب في كلٍّ منهما دافعاً فطرياً يدفعه إلى اللقاء بالآخر، ليكون بعد ذلك بقاءُ النوع الإنساني واستمرارُه في هذه الحياة للقيام بأعباء الخلافة في الأرض وعمارتها وَفْق منهج الله، وتحقيقا لغاية الوجود الإنساني في التوحيد والعبادة، قال تعالى: "ومِنْ آياته أَنْ خَلَقَ لكم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزواجاً لتسكُنُوا إليها، وجَعَلَ بينَكم مَودَّةً وَرَحْمَةً، إنَّ في ذلك لآياتٍ لِقَومٍ يَتَفكَّرُونَ، "الروم21". وقال تعالى: "أيحسبُ الإنسانُ أنْ يُتْرَكَ سدى، ألَمْ يَكُ نُطْفَةً من منِيٍّ يُمْنَى، ثمَ كانَ عَلَقَةً فخَلَقَ فَسَوَّى، فجعل منهُ الزَّوجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى"، "القيامة 39". دافع الفطرة فحاجة كلٍّ منهما للآخر أمر مركوز في طبيعة النفس البشرية، ليتحقق بذلك السّكَنُ والمودة والرحمة، وإذا كان الإنسان لا يستغني عن لباسٍ يستره ويمنع عنه الأذى، فهو لا يستغني عن زوجه، "هنَّ لباسٌ لكُمْ وأنتم لباسٌ لهنَّ" البقرة 187. وبذلك حدَّد الإسلام الطريق الصحيح لإشباع الدافع الفطري عند الإنسان بطريقة نظيفة دون تحرُّج، وهو الزواج، ولم يجعل لذلك الإشباع طريقا غيره، "فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فأُولئكَ هُمُ العَادُونَ"، المؤمنون 7، وفي ذلك استمرار لبقاء النوع الإنساني على الأرض لينشئ الحضارة فيها، وليحقِّق مقتضى وجوده عليها، "هو أنشأكُمْ من الأرضِ واسْتَعْمَرَكُم فيها "هود61. المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام وقد عُنِيَ الإسلام ببيان وحدة الزوجين، الرجل والمرأة، من حيث إنسانيتهما فقال الله تعالى: "يا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا ربَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ منْ نفْسٍ واحدةٍ وخلَقَ منها زوجَهَا، وبَثَّ منهما رجَالاً كثيراً ونسَاء" سورة النساء 1. وقال أيضاً "فاسْتَجَابَ لهم ربُّهُمْ أنِّي لا أُضِيْعُ عَمَلَ عَاملٍ مِنْكُم مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى، بعضُكُم مِنْ بَعْضٍ"، آل عمران 195، أي إن الذكور من الإناث، والإناث من الذكور، وليس بينهما فرق من جهة الفطرة والطبيعة البشرية. ويترتب على هذه الوحدة والمساواة أن يكون خطاب التكليف موجهاً أيضا للطرفين، لا يُعْفـَى منه أحد، لأنهم أهُلٌ لذلك التكليف بما وهبهم الله وزوّدهم به من خصائص ومَلَكات وإمكانيات، قال الله تعالى: "إنَّ المسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ، والقَانِتيْنَ والقَانتاتِ، والصَّادقينَ والصَّادقاتِ، والصَّابرينَ والصَّابراتِ، والخاشعينَ والخاشعاتِ، والمتصدّقينَّ والمتصدِّقاتِ، والصَّائمينَ والصَّائماتِ والحافظينَ فُرُوجَهُمْ والحافظاتِ، والذَّاكرينَ اللهَ كثيرا والذَّاكراتِ أعدَّ اللهُ لهمْ مغفرة وأجراً عظيما"، سورة الأحزاب 35. وعُنِيَ الإسلام أيضاً ببيان وَحدةِ الزَّوجين وتساويهما من حيث العلاقة بربِّهما وجزائهما عنده، فهما متساويان أمام الشرع أو القانون، وفي المسؤولية والجزاء فقال الله تعالى: "فاسْتَجَابَ لهم ربُّهُمْ أنِّي لا أُضِيْعُ عَمَلَ عَاملٍ مِنْكُم مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى، بعضُكُم مِنْ بَعْضٍ"، آل عمران 195. وقال أيضاً "مَنْ عَمِل صالحا مِن ذكَرٍ أو أُنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ" سورة النحل 97. وكذلك عقد الإسلام المساواةَ بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية بمختلف أنواعها، لا فرق في ذلك بين أن تكون المرأة متزوجة أو غير متزوجة، فالزواج في الإسلام لا يُفْقِدُ المرأةَ اسمها ولا شخصيتها المدنية ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقَّها في التملك وفي مباشرة العقود وسائر المعاملات والتصرفات، وهي في ذلك كله لها أهليَّتُها وشخصيتها المستقلة وذمتها المستقلة عن ذمة زوجها، ولذلك لا يجوز لزوجها ولا لغيره أن يأخذ من مالها أو حقها إلا بإذنها وعن طيب نفس منها، قال الله   تعالى: "ولا يحِلُّ لكم أنْ تأخُذوا ممَّا آتَيْتُموهُنَّ شيئاً"، سورة البقرة229. كما سوَّى الإسلام أيضاً بين الرجل والمرأة في حقِّ التعلم والتعليم والثقافة، فأعطى المرأةَ الحقَّ نفسه الذي أعطاه للرجل في هذه الشؤون، وقال رسول الله "ص": "طَلَبُ العِلْم فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ"، فعلّق الفرضية على صفة الإسلام، وهذه صفة مشتركة بين الرجل والمرأة، وقال أيضاً: "أيّما رجلٍ كانت عنده وليدة فعلَّمها وأحسنَ تعليمها، وأدَّبها فأَحْسنَ تأديبَها ثم أعتقها وتزوَّجَها فله أجْرانِ".  خلافٌ في التَّكْوينِ بين الرَّجلِ والمرأةِ وذلك أنَّ كلاً منهما قد خلقه الله تعالى لوظيفةٍ ومهمة يؤديها، فكان تكوينه يتناسب مع هذه الوظيفة، ولا ينازع أحدٌ من العقلاء في هذا الاختلاف بينهما، والذي لا ينشأ، كما يقول الطبيب العالمي الكيس كاريل، "عن الشكل الخاص للأعضاء التناسلية ومن وجود الرَّحِم والحمل، أو من طريقة التعليم إذ أنها طبيعة أكثر أهمية من ذلك، إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيميائية محددة يفرزها المبيض... ولقد أدّى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب على الجنسين أن يتلقيا تعليماً واحداً، وأن يمنحا قوى واحدة ومسؤوليات متشابهة...". والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل... فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها... والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها... وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي وتكوينها النفسي وانفعالاتها الحادة التي تغلب على الجانب العقلي، لعواطفها التي جعلها الله تعالى لها، كي تدفعها للقيام بالوظيفة الكبرى التي خلقها الله تعالى لها، ولولا هذه العواطف والانفعالات ما وجدت دافعاً أو مبرراً عقلياً يجعلها تتحمل آلام الحمل والمخاض ومشقة التربية والحضانة للنسل الذي جعله الله تعالى ثمرة اللقاء المشروع بين هذين الزوجين... ويقول الدكتور كاريل متابعاً: "فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة لِّلِين مثل قوانين العالم الكوكبي، فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي، فعلى النساء أن ينميّن أهليتهنّ تبعاً لطبيعتهنَّ ولا يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهنّ في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهنِّ ألاّ يتخلَّـين عن وظائفهنِّ المحددة".   الخلافُ يستتبعُ تفريقاً في بعضِ الأحْكَامِ وتبعاً لهذا الاختلاف في التكوين الجسدي والنفساني والعصبي، اختلفت وظيفة كل منهما واستتبع هذا خلافاً في بعض الأمور، كالشهادة، حيث شهادة اثنتين من النساء تعدل شهادة رجل واحد، للحكمة التي ذكرتها الآية الكريمة في قوله تعالى "أنْ تَضِلّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكَّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى"، البقرة 282، مع أنَّ بعض الأمور لا تقبل فيها إلا شهادة النساء، كتلك التي لا يطلـع عليها بينهن إلا النساء، ولا يعني هذا عيباً أو نقصاً أو احتقاراً للرجال، كما لا يعني ذاك عيباً أو تنقصاً للنساء. ومثله يقال في قضية القوامة وأنها للرجل على المرأة، وفي الطلاق أيضاً الذي جعله الله تعالى بيد الرجل لا المرأة، وفي المقابل التزامُ الرجلِ بشؤون الأسرة والأعباء المالية التي يُـكلَّـف هو بها، ولا تكلِّف بها المرأة في الأحوال العادية، وكذلك قضية الميراث وكون نصيب الرجل مثل نصيب الأنثيين، تحقيقاً للعدالة، وتوازناً بين الحقوق والواجبات. تكريُم الإسلامِ للمرأةِ  وحافظ الإسلام للمرأة على إنسانيتها وحقوقها في ظل عقيدتها والتزامها بذلك، وأوصى بها أماً وبنتاً، وأختاً وزوجةً، وقريبةً وغير قريبة. والنصوصُ الشرعيَّةُ في ذلك كثيرة متوافرة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية. والواقع العمليُّ التطبيقي في الصدر الأول، في حياة النبي محمد، وفي حياة الجيل الأول، بل وفي كثير من المجتمعات الإسلامية بعامة، كلُّ ذلك شاهد صادق على هذه المكانة العالية التي تتبوؤها المرأة في الإسلام. كلمةٌ مُنْصِفَة  كتب الدكتور نظمي لوقا كلمات حول هذا نقتطف جُمَلاً منها، حيث يقول "المرأة في الإسلام إنسان له كل حقوق الإنسان وكل تكاليفه العقلية والروحية. فهي صِنْو الرجل تقع عليها أعباء الأمانة التي تقع عليه، أمانة العقيدة وتزكية النفس... وقد نجد هذا اليوم من بدائه الأمور، ولكنه لم يكن كذلك في العالم القديم، في كثير من الأمم، حيث كانت المرأة تُباع أحياناً كثيرة كما تباع السلعة، يبيعها أبوها أو رأس عشيرته أو زوجها. وكانت في كثير من الأحيان منقوصة الأهلية لا تمارس التصرفات المالية والقانونية إلا عن طريق وليّها الشرعي أو بموافقته. بل لم تكن تملك تزويج نفسها على الخصوص، وإنما الأمر في ذلك لوليِّها يُجْريه على هواه. وأكثر من هذا، كانت قبائل من العرب في الجاهلية تئد البنات كراهةً لهنَّ وازدراءً لشأنهنَّ، ومن لم يئدهن ّكان يضيق بهنّ ضيقاً شديداً. وفي بعض الأمم القديمة، وفي بعض الأمم الحديثة، كانت المرأة تُحْرَم غالباً من الميراث، فأبى الإسلام هذا الغبن الفاحش... ثم يقول "ولا يخوض إنسان في موضوع المرأة في الإسلام من غير أن تخطر بباله قضية تحرير المرأة في هذا العصر، ومساواتها بالرجال، ويخطر على البال حتما قول القرآن في سورة النساء "الرِّجالُ قَوَّامونَ على النِّساءِ بما فضَّل الله بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفَقُوا مِن أموالِهِمْ"، وما جاء في سورة البقرة "ولهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروفِ وللرجالِ عليهنَّ درجةٌ". الفضل المشاهَد للرَّجل على المرأة؟ إنه حاميها، وإنه عائلها، وإنه إليه تركن وبه تلوذ، وإنه أعلم منها وأبصر بأمور الدين والدنيا، وإنه أحظى منها بنصيب من المواهب والقدرات. ولن تجد مذهباً أو نظاماً بلغ في ذلك ما بلغه الإسلام، دينُ الله، الذي أنزله لخير البشرية جميعاً، في الوقت الذي كانت فيه المرأة تعيش في أوروبا على هامش حياتهم، يلفُّها الجهل، ويقع عليها الظلم والعسف، وتُنتَقصُ حقوقها وآدميتها وكرامتها، حتى إنها حُرِمت من أبسط حقوقها الإنسانية... وقامت المرأة في أوروبا لترفع عن نفسها ذلك الظلم والحيف، ولتطالب بحقوقها وحريتها ومساواتها، كما زَعَمْـنَ، بالرجل، عندما قامت الثورة الصناعية في أوروبا واحتاجت إلى اليد العاملة، وقامت المرأة تنادي بحقها في العمل... ولكن الرأسمالية الطاغية وشياطين الإنس الذين سوّلوا للمرأة وزيَّنوا لها الخروج للعمل، حتى تستقلَّ بشؤونها المالية لتشعر بشخصيتها المستقلة، كما يقُـلن ويقولون، كل أولئك استغلوا فرصة خروج المرأة للعمل وفرضوا عليها شروطاً قاسية وأعطوها أجراً أقل ِّ... فخرجتْ... وعملتْ... وتفككتِ الأُسْرة... وتشرَّد الأولاد... وتاهتِ المرأة وضاعتْ... وأضاعتْ أنوثَتَها وعفافها وكرامتها وإنسانيتها، ولكنها لم تدرك قيمة هذا، ولم تشعر بفداحة الخطب، وفظاعة الثمن إلا بعد أن قذف بها التيار بعيداً عن شاطئ السلامة، ووضعها في اللجَّة، التي لا تستطيع الخلاص منها حتى ولو حاولت، طالما أنها مقيّدة بتلك القيود... رحلةُ الضَّياعِ والتِّيــهِ والاستغلالِ واستطاع المنتفعون أن يسخِّـروا المرأة لمصالحهم المادية، فأخرجوها من بيتها، واستغلُّوا حاجتها للعمل والكسب في ظروف اجتماعية واقتصادية مريرة، فجعلوها جنساً وبضاعة وتجارة رابحة، بل لن ترقى إلى مستوى البضاعة، وإنما تبقى وسيلة لترويج البضاعة... كيف يستطيع التاجر أن ينفق سلعته؟ الإعلان هو وسيلة العصر، فعصرنا عصر الدعاية والإعلان، ولكن الإعلان ينبغي أن يكون جذّاباً... وكيف يكون جذّابا؟ هنا تفتقت عبقرية الأبالسة عن الوسيلة... إنها المرأة...! غلاف المجلة ينبغي أن يكون صورة فتاة، ولتكنْ جميلة، بالألوان، وفي وضع مشين...! وهنا يُقِبل الشباب على شراء المجلة التافهة الرخيصة، وما الوسيلة التي جذبتهم إلى ذلك؟ إنها صورة الغلاف... واستعرضْ أيُّها القارئ الكريم، إن شئت، واجهة أي مكتبة من المكتبات التي تبيع المجلات والصحف، لترى مصداق ذلك، وفي أي بلدٍ من الدنيا شئت، ولا تستثنِ بلداً منها، والأمر نفسه في كثير من القنوات الفضائية، ولكنها هنا أكثر إثارة وأشدّ لأنها تجمع بين الصوت والصورة والحركة والإشارة الموحية وأسباب الفتنة وأنواع الزينة والتبرج! والأمر نفسه صحيح بالنسبة للبضاعة الأخرى، أياً كانت، حتى...حتى موسى الحلاقة... حتى إطار السيارة... حتى علبة العصير...ناهيك عن عروض الأزياء... كل شيء تصنع له الدعاية من خلال صورة المرأة، والمرأة العارية أو شبه العارية... ؟ التقليد والفن الهابط... واستغلال المرأة بمهانة ويحسن هنا أن نستطلع رأي بعض المختصين في الدراسات الاجتماعية ونظرتهم لما ألمحنا إليه من استغلال المرأة في الدعاية الرخيصة المبتذلة، مما يهبط بمكانة المرأة، وللدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع والباحثة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة، دراسة أكدت فيها أن "الفيديو كليب" أسهم في زيادة نسبة الطلاق في الوطن العربي، تقول فيها:" التأثير السلبي الذي أحدثته الكليبات الفاضحة والتي أدخلت أنماطا جديدة لم تكن معروفة في عالم الغناء العربي كبير جدا، حيث اتجه منتجو هذه الكليبات إلى تقليد الأغاني الغربية المصورة في الملابس والأفكار والحركات المثيرة. وهذه النوعية من الأغاني التي لا تراعي قيم المجتمع أدت إلى ظهور آثار اجتماعية وخيمة منها ارتفاع نسبة الطلاق وانتشار إدمان المخدرات وانحراف الشباب بسبب الإثارة المستمرة ومخاطبة الغرائز من خلال قنوات تبث 24 ساعة يومياً. إرهاصاتُ الصَّحْوةِ والعودةُ إلى الفِطْرَةِ وبعد أن كانت المرأة تبحث عن العمل، أفاقت لتتبرم من العمل ولتبحث عن الأسرة والبيت، فقد أذاعت باحثة بريطانية، بعد استفتاء أجرته بين ثمانمائة امرأة عاملة إن المرأة ينقصها الطموح، وأن ذلك هو سبب تفوق الرجل عليها في ميدان الأعمال، ثم قالت هذه الباحثة إن المرأة العاملة تشغلها أمورها الشخصية، فهي تعنى بملابسها وتصفيف شعرها. وقالت امرأة أميركية باحثة إنها تدعو إلى ضرورة عودة الأمهات فوراً إلى البيت... حتى تعود للأخلاق حرمتها، وللأبناء والأولاد الرعاية التي حرمتهم منها رغبة الأم في أن ترفع مستواهم الاقتصادي. وقالت أخرى إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى المنـزل، هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه. المرأةُ المسلمةُ اليومَ...؟ في لحظة من لحظات الانبهار بما عند الغربيين، وبما وصلت إليه المرأة الغربية !! قامت في شرقنا وغربنا ضجة حول المرأة وحقوقها وعملها...  طالبت المرأة في بعض البلاد بالتعليم، والتعليم حق لها بل واجب يفرضه الإسلام عليها. طريقُ الخَلاصِ... وفي غمرة هذا الضياع، وبين تلك المآسي، يبرز دور المرأة المسلمة الواعية، التي عرفت أن لها رباً فعبدته وأطاعته، واتبعت أوامره وابتعدت عن نواهيه، اعتصمت بدينها وخلقها، وتأدبت بأدب الإسلام في لباسها وحشمتها وفي كلامها، وأدركت أن مسؤوليةً عظيمةً ملقاة عليها في بيتها، وفي رعاية أولادها، وفي تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الطيبة الصالحة، وفي بث الخير والفضيلة في المجتمع الذي تعيش فيه. إن المرأة المسلمة ينبغي أن ترتفع إلى مستوى دينها وأخلاقها لترفع إليه أبناءها، ولتحمل الجيل على ذلك...وعندئذ تكون قد ارتفعت إلى مستوى إنسانيتها... ينبغي أن تهيئ نفسها لأداء وظيفتها ورسالتها الاجتماعية النبيلة بما يجعل منها امرأة صالحة لتكوين الأسرة والإشراف على شؤون البيت والأولاد... يقول أحد المفكرين الغربيين الذين أدركوا عظمة الإسلام وتكريمه للمرأة، فكان ذلك سبب هدايته، "كثيرات من النسوة الغربيات اللواتي تشعرن بملاحقة الرجال لهنَّ في الشوارع لمجرد ممارسة الجنس تبدين إعجابهنّ بالنساء المسلمات اللواتي يعطين في لباسهنّ وتصرفاتهن الانطباع بأنهن لسـن فرائس سهلة، وقد أصبحت كثرة من النساء الغربيات المطالبات بتحرير المرأة، في مواجهة الاستغلال المستمر للنساء في الصور الخلاعية وعروض الأزياء ومسابقات الجمال والإعلانات التجارية التي تستغلّ الجنس وسيلة للترويج-تدركن الآن أنّ أخواتهن المسلمات تسعين إلى الهدف نفسه ألا وهو المحافظة على كرامة المرأة، وأنهنّ يحققن نجاحاً أكبر في مسعاهنّ. وعلى كلٍّ لايزال فينا بقية من خير ٍ يجب أن نتعهدها بالرعاية والعناية... والله ولي التوفيق والسداد.
July 25, 2016 / 9:32 PM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.