من المثير جداً متابعة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية على ضوء المفاوضات الجارية مع إيران في الملف النووي، وهو أمر لم يتم تسليط الضوء عليه بشكل كافٍ على الأقل في العالم العربي.
علي حسين باكير، باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية سابقا
هناك نزاع محتدم بين الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الموقف من إيران، وعندما تقف إدارة الرئيس أوباما بحزم وقوة أمام إسرائيل لمنع تخريب مفاوضاتها مع إيران، فهذا مؤشر خطير على مدى رغبة واشنطن في التوصل إلى اتفاق مع طهران، وهو ما يجب أن يقلق العرب أيضاً، لأنّ أي اتفاق سيكون بالضرورة كما أصبح معلوماً عند الجميع وبشكل عملي على حساب العرب، وسيجعل المنطقة الممتدة من شمال شرق البحر المتوسط إلى باب المندب منطقة تابعة لإيران بغطاء شرعي أميركي ودولي، ففي نهاية المطاف، فلإسرائيل أداوت تخوّلها التعامل مع إيران بشكل مباشر أو غير مباشر، أما العرب، فالواقع يجيب عن حالهم.
هناك سباق إسرائيلي مع الزمن لمنع حصول اتفاق نووي "سيء" بين واشنطن وطهران، من شأنه أن يؤدي إلى كارثة في المنقطة وفق تصوّر كثيرين. نتنياهو من أكثر الإسرائيليين الذين حذّروا من خطر أي اتفاق أميركي-إيراني، خاصة أن إيران نجحت حتى الآن في أن تضمن استمرار التخصيب على أراضيها، وفي أن تضع سقفاً زمنياً قصيراً لأي اتفاق، وهذه خلطة ممتازة لكارثة، لأنها تتيح لإيران الحرية في متابعة برنامجها النووي لاحقاً.
نتنياهو لا يثق بالرئيس الأميركي ويرى أنّه يسعى إلى صفقة من أي نوع مع طهران وبأي ثمن، وهو أمر يراه عدد من المتابعين صحيحاً بدليل التعاون الاستثنائي المنقطع النظير وغير المسبوق بين أميركا وإيران وميليشياتها اليوم في العراق وسوريا واليمن، ناهيك عن التنازلات التي قيل إن أوباما قدمها في المفاوضات والرسائل السرية التي بعث بها أكثر من مرة إلى الخامنئي.
خلال الشهر الماضي، حدثت العديد من التطورات التي دفعت الجانب الإسرائيلي إلى الهلع من التسارع في التوافق بين "الشيطان الأكبر" و "إبليس"، تاركين "الشيطان الأصغر "خارج اللعبة تماماً. إذا ما تابعنا قصاصات الأخبار عن هذه التطورات هنا وهناك وجمعناها فربما سنحصل على صورة أوضح لشكل النزاع الأميركي – الإسرائيلي.
في 14/1/2015، قام وزير الخارجية الأميركي في سابقة هي الأولى من نوعها بجولة على الأقدام مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لمدة 15 دقيقة على ضفاف نهر الرون على هامش المفاوضات النووية، إذ لم يمنع احتجاز إيران لمواطن أميركي وهو مراسل الواشنطن بوست ومحاكمته من أن تستمر المفاوضات بين الجانبين، وهو أمر يستحق التوقف عنده أيضاً.
لم توفّر إسرائيل جهداً في توظيف الكونغرس للضغط على أوباما ومحاولة إفشال المفاوضات من خلال التهديد بطرح قانون يفرض عقوبات على إيران، وبعدها بيومين فقط، هدد الرئيس الأميركي أوباما أنّه سيصوّت بالفيتو على أي إجراءات يتخذها الكونغرس الأميركي ومن شأنها أن تعرقل أو تقوّض المفاوضات مع إيران.
عندما تيقّن نتنياهو أن الكونغرس لن يقّدم مشروع القانون الذي كان مقرراً تقديمه في نفس اليوم الذي يلقي فيه أوباما خطاب حالة الاتحاد في 20/1/2015، قرر تنفيذ الضربة في القنيطرة لخلط الأوراق، وهي تدخل باعتقادي ضمن هذه الحسابات على الأرجح وليس موضوع الانتخابات أو مزارع شبعا. جميعنا يعلم أن أي عملية من هذا النوع تتطلب مشاورات بين وزير الدفاع وكبار ضباط قوات الدفاع الإسرائيليين، وإذا لزم الأمر مع رؤساء أجهزة الاستخبارات، يليها اتفاق بين وزير الدفاع ورئيس الوزراء، وهم يعلمون تماماً من سيضربون.
ما يميّز الضربة الإسرائيلية في القنيطرة ليس قتلى حزب الله، ففي النهاية قتلت إسرائيل سابقاً من هم أعلى رتبة وأهم من هؤلاء، أبرزهم عماد مغنية الذي لم يثأر له حزب الله حتى بعد مضي 7 سنوات. كما أن نشاط الحزب في سوريا ليس عليه فيتو إسرائيلي ما لم يخرق الخطوط الحمراء التي حددتها إسرائيل. ما يميز العملية الإسرائيلية هو قتلى إيران، الرتب العسكرية والعدد، والرسالة كانت أن تل أبيب مستعدة للذهاب إلى حافة الهاوية من أجل إيقاف الاندفاع الأميركي المتهور للحصول على صفقة مع إيران. والغريب أن تصريحاً صدر عقب عملية القنيطرة نسب إلى مسؤول إسرائيلي لم يكشف عن اسمه قال فيه "لم نكن نعلم بوجود الجنرال الإيراني ضمن الموكب المستهدف في القنيطرة". وهو تصريح غريب ولكنه لن يصبح كذلك عندما نرى التطورات اللاحقة.
في 21/1/2015 وجه رئيس مجلس النواب الأميركي جون بينر دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونجرس دون أن يتشاور مع الرئيس باراك أوباما، في خرق نادر للبروتوكول الأميركي الذي يقتضي أن يتصل زعيم بلد بزعيم البلد الآخر حينما يسافر إلى هناك قبل أن يقرر الدعوة. ومن الواضح أن الهدف هو تحدّي أوباما ومحاولة الضغط في الملف الإيراني.
وقد تمّ الرد على هذه الخطوة بأن أعلن البيت الأبيض أنه لن يستقبل نتنياهو عند قدومه إلى الولايات المتحدة متذرعاً بأنّها خطوة قد لا تتناسب مع قرب الانتخابات الإسرائيلية. وأجد أنّه من المستغرب جداً حقيقةً أن تقرر أبرز مجلة أميركية على الإطلاق بما لها من تأثير على صنّاع القرار بأنّ تقوم بإجراء مقابلة مع الأسد في 26/1/2015، لتعمل كمنبر له ليقول ما يريد بعد الضربة الإسرائيلية، وليقدّم نفسه من جديد ويعرض خدماته في مكافحة الإرهاب ويتهم إسرائيل بأنّها سلاح جو للقاعدة. هل تعتقدون أن إدارة أوباما بعيدة عن هذا العمل؟!
الأغرب أنه وفي اليوم التالي (27/1/2015) قالت إيران إنها وجهت رسالة تحذيرية إلى الجانب الإسرائيلي عبر الولايات المتحدة! نعم، إيران توجه لإسرائيل رسالة تحذير عبر واشنطن. وفي 28/1/2015، قالت المتحدثة باسم الخارجية إن الهجوم الذي تم على إسرائيل لن يؤثّر على المحادثات النووية مع إيران، في رسالة واضحة جداً من أوباما لإسرائيل بأنّه لن يتراجع.
في 30/1/2015، نشرت الواشنطن بوست تقريراً بعنوان (السي آي إيه والموساد قتلوا المسؤول الرفيع في حزب الله عماد مغنيّة)، وهو تقرير مثير للاستغراب حقيقة في توقيته ومضمونه، فهناك من يريد أن يقول إن (السي آي إيه) قد شاركت أيضاً في قتل مغنيّة، سارداً التفاصيل الدقيقة للعملية وكيف أن الإسرائيليين أصروا على أن يضغطوا على زر التفجير بأنفسهم لقتل مغنيّة. هل تعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية بعيدة عن نشر هذا التقرير لاستهداف أوباما؟ لا يوجد معلومات تؤكد أو تنفي ذلك، لكن من الواضح أنّه يأتي في سياق المعركة المتبادلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأحداث السابقة، حيث صرّح مسؤول إسرائيلي في نفس اليوم أن إسرائيل مقتنعة بأنّ إدارة أوباما وافقت على 80% حتى الآن من مطالب إيران في المفاوضات النووية!
ولا ننسى أيضاً التقارير التي تحدّثت عن أن أوباما قرر إسقاط نتنياهو في الانتخابات القادمة، وأنه كلف مدير حملته القيام باللازم من أجل تحقيق ذلك، مترافقة مع تسريبات لمصادر أميركية لصحيفة هآرتس الإسرائيلية قيل فيها إن "نتنياهو بصق في وجهنا وسيدفع الثمن"، كما قام مستشار أوباما للشؤون الخارجية باقتراح توبيخ السفير الإسرائيلي في واشنطن أو إبعاده لأنه نقل الدعوة لنتنياهو لإلقاء كلمة في الكونغرس.
خلاصة القول والمسلسل لم ينته بعد، إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لخوض معركة ضد حليفها التاريخي والاستراتيجي الأبرز في التاريخ الحديث من أجل إيران، فما بالكم بمن هم دون ذلك بالنسبة لها؟ إذا كانت إسرائيل وهي القادرة على موازنة إيران بما تمتلكه من أوراق متوجسّة من صفقة إدارة أوباما مع ملالي طهران، فماذا بالنسبة إلى أولئك الذين لا يمتلكون أية أوراق، وأصبحت أربع من عواصمهم تحت الاحتلال الإيراني؟!