أقام النادي الثقافي العربي في الشارقة، الخميس الماضي، ندوة أدبية بعنوان "نظرة إلى الشعر العربي في راهنه" وشارك فيها كل من الدكتورة بديعة الهاشمي والدكتور صالح هويدي والناقد عبد الفتاح صبري وأدارها الصحفي محمد ومحمد سالم، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي.
الشارقة 24:
نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، الخميس الماضي، ندوة أدبية بعنوان "نظرة إلى الشعر العربي في راهنه" وشارك فيها كل من الدكتورة بديعة الهاشمي والدكتور صالح هويدي والناقد عبد الفتاح صبري وأدارها الصحفي محمد ومحمد سالم، وذلك بحضور الدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي.
في تقديمه للأمسية ذكر ولد محمد سالم أنه منذ أن دخل العرب عصر الحداثة، لم يتوقف الشعر عن الحركية والتطور، وكان هناك دائما تجاذب بين مختلف الرؤى الفكرية والإبداعية فيه، بين القديم والجديد، والأصيل والمعاصر، وقد خلف ذلك التجاذب في كل فترة تطورات انعكست على النص الشعري العربي فظهرت فيه أنماط شكلية وأسلوبية متعددة، وانطلاقاً من هذه الحقيقة يظل سؤال الراهن في هذا الشعر مطروحاً، فعلى الدارسين بين الفينة والأخرى أن يفحصوا واقعه ويبحثوا عن جديده وتوجهاته، ومن يأتي اهتمام النادي الثقافي العربي بهذا السؤال.
كانت الدكتورة بديعة الهاشمي أولى المتحدثين، وقد تمحور حديثها عن (القصيدة العربية المعاصرة: السمات والحضور)، وطرحت عدة أسئلة حول ماضي وراهن الشعر، ثم قالت: "إن فيه تنوّعا المضامين والموضوعات هو السمة الغالبة للشعر في يومنا الراهن، إذ يحضر شعر المناسبات مع مناسباته التي تستدعيه: كالوطنيّة منها أو الثقافيّة، وإلى جانبه يظهر الشعر الذي ينضح بالذاتي والتجربة الخاصة، حينما يرغب الشاعر في التعبير عن دواخله ومواقفه ورؤيته الخاصة، منتقدًا، متأملاً، متعجباً، ثائراً، مسالماً، متسامحاً، أما على المستوى الفني فإنه من الملاحظ أن الشاعر المعاصر أصبح يستفيد من مدارس الشعر واتجاهاته السابقة، لذا نجد من الشعراء اليوم من يجاري نمط القصيدة الكلاسيكيّة العموديّة ويعارضها، وإن كان ذلك قليلا. ومنهم من يسير على نهج الشعراء الرومانسيين، في تأملهم وفلسفتهم الخاصة التي تتجه نحو ذات الشاعر والوجدان والطبيعة والإنسان.. وفي الوقت نفسه نجد قصيدة النثر برمزياتها وصورها الكلية ولغتها المكثفة الموحية، تثبّت قواعدها وتفرض وجودها في دواوين ونتاجات الشعراء اليوم".
ثم تحولت إلى المشهد الشعري الإماراتي، فقالت: "على صعيد المشهد الشعري الإماراتي ألاحظ تنوّع الأصوات الشعريّة وتجدّدها وحركيتها.. فهناك الأصوات الرائدة من الجيل الوسيط لازالت مستمرة وحاضرة بقوة، تجاري المتغيرات وتساهم بقصائدها المتجددة من أمثال: مانع سعيد العتيبة، وحمدة خميس، وكريم معتوق، وصالحة غابش، وخلود المعلا، وشيخة الجابري، كما يلمس بشكل واضح دخول أصوات إماراتية شابة إلى الساحة الشعريّة، تكشف عن مواهب وتجارب متفاوتة، وتبرز تنوّعًا واضحًا في شكل القصيدة ومضامينها، إذ تحضر القصيدة العموديّة في نتاجاتهم وإصداراتهم الشعرية متجاورة مع قصيدة التفعيلة، متصالحة مع قصيدة النثر، بل مع النثر نفسه، إذ أن هناك عددا من الشعراء والشاعرات الإماراتيات قد جربوا الكتابة النثرية إلى جانب كتابتهم للشعر، كالقصة القصيرة والرواية والمقالة وقصص الأطفال، فتميّزوا وأبدعوا شعراً ونثراً".
وأشارت الهاشمي إلى أن مسابقات أدبيّة مثل: أمير الشعراء وجائزة الشعر العربي التي تنظمها ندوة الثقافة والعلوم، وجائزة البردة، وجائزة الشارقة للشعر العربي، وجائزة الشارقة لنقد الشعر، وتخصيص مجالات خاصة بالشعر في جوائز ثقافية وأدبية أخرى، مثل: جائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية، وجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم، وغيرها من الجوائز هي محرّك مهم للإبداع الشعري العربي ومحفّز للشعراء بشكل دائم ومستمر بلا شك.
وأضافت الهاشمي: "قبل أسابيع قليلة شاهدنا افتتاح المقر الجديد لبيت الشعر الذي كان تحت رعاية وحضور صاحب سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، حفظه الله، ونذكر كلمته المؤثرة التي لامست قلوب الناس عامة قبل الشعراء أنفسهم، والتي تعلي من قدر الشعر والشعراء، وتؤكد على مسؤولية الشعراء ودورهم الريادي في المجتمعات، الأمر الذي يجعلنا نطمئن على الشعر والشعراء في شارقة الثقافة وإلإمارات عموماً".
مداخلة الدكتور صالح هويدي استهلها بالقول بإن الواقع العربي الراهن بما يشهده من معاناة وتفكك وانشغال بالماديات لا يبعث على الشعر ولا يحفز الشعراء على الانشغال به، فقد ضعف الاهتمام به ولم يعد له ذلك الوهج والحضور الذي كان له في السابق، ومن الأمور التي تؤثر في واقع الشعر وأثرت فيه في العصر الحديث أن كل جيل ظهر يدعي يحاول أن ينسف الجيل الذي سبقه، ويدعى أنه لا يمثل الشعر، وفي مثل هذا الصراع يتوه الجمهور.
وقال هويدي إن من سمات الشعر في الراهن الاختزال واللغة الشذرية، والحضور البارز للمرأة كموضوع وكمبدعة، كما القصيدة لم تعد متناغمة مع الساكن، فهي في تحول دائم وإن كان ذلك التحول ليس مرئيا في كل الأحيان لكنه يحدث في كل حين.
أما الناقد عبد الفتاح صبري فقد خصص مداخلته لراهن الحداثة الشعرية الإماراتية، واستهله بالسؤال: "لماذا نرفض الحداثة ونتوقف أمام الجديد؟" في عصر الذكاء الاصطناعي، الذي اخترق كل الأنساق والأنظمة وفتح المستقبل على مصراعيه، فلم يعد شيء ثابتا ولا ساكنا، فالحداثة واقع لا مناص منه.
ثم عرج صبرى على تاريخ الحركة الشعرية الحديثة في الإمارات التي قال إنها انطلق في النصف الأول من القرن العشرين مع "شعراء الحيرة" في الشارقة، ومن أشهرهم سالم بن علي العويس وسلطان بن صقر القاسمي وسلطان بن علي العويس ومصبح خلفان، وشعراء آخرون، تمثلوا في شعرهم أساليب الكلاسيكية الجديدة، وعبروا عن قضايا عصرهم، وتبعتهم بعد ذلك حداثة شعرية ثانية في النصف الثاني من القرن نفسه جمع شعراؤها بين أساليب القصيدة التقليدية وقصيدة التفعيلة، وكان من أبرز شعرائها أحمد أمين المدني وحبيب الصايغ، ثم جاءت وآخرون، ثم مع نصل إلى العقدين الآخيرين من القرن العشرين حين بدأت حياة المجتمع تتطور في كل جوانبها واتسع التعليم النظامي فبرز جيل جديد حمل الحداثة الشعرية وتحرر من كل أنماط القصيدة التقليدية، وكتب قصيدة النثر ومن هؤلاء أحمد راشد ونجوم الغانم وعبد العزيز جاسم، واتسعت الحداثة وتشعبت وكثر شعراؤها، وصولا إلى الوقت الراهن الذي هو عصر الذكاء الاصطناعي الذي يطال كل شيء، فلم تعد هناك قداسة أدبية، وأصبح الواقع الشعري مفتوحا على كل الاتجاهات وكل الأنماط.