الشارقة 24- أ.ف.ب:
شهدت محال صنع الأحذية يدوياً في عمان عصرها الذهبي في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، على ما يستذكر رئيس جمعية مصنعي الأحذية نصر الذيابات، لكنها اليوم باتت مهددة بالإغلاق بسبب سياسة إغراق وطوفان بالأسواق المحلية بالأحذية الصينية.
ويخشى جميل قبطي، الذي كلن يطلق عليه لقب "ملك الأحذية" بعد عقود من تصميم الأحذية لملوك وأميرات ووزراء ونواب وأعيان وتصنيعها يدوياً، من أن تقضي الأحذية المستوردة على حرفته.
ويقول القبطي الذي يعد أقدم صانع أحذية في الأردن، والذي بدأ بمزاولة الحرفة عام 1949 عندما كان في الثامنة عشرة من العمر، ، "بدأنا نفقد زبائننا الواحد تلو الآخر ونخسر، حتى وصل بنا الحال إلى إغلاق ثلاثة محال لعرض وبيع الأحذية التي نصنعها".
ويضيف وهو جالس في ورشته في منطقة الجوفة الشعبية في وسط عمان يراقب بنظرات حزينة خمسة عمال هم آخر من تبقى من مؤسسته التي كانت مزدهرة يوماً مع 42 عاملاً، "في السنوات الخمس الأخيرة، بدأت مهنتنا بالتراجع أمام سيل الأحذية الرخيصة المستوردة التي أغرقت بها الأسواق".
ويتذكر القبطي الذي كان يشارك كل عام في معارض الأحذية في بولونيا في إيطاليا وفرنسا، كيف التقى بالملك الراحل الحسين بن طلال في معرض للصناعات المحلية نظم في الجامعة الأردنية عام 1961 فأهداه أربعة أزواج من الأحذية التي أعجب بها كثيراً.
ويشير على شاشة هاتفه الى صورتين بالأسود والأبيض، يقول إنها من الستينات يظهر فيهما مع الملك الراحل في المعرض وفي مناسبة رسمية، ثم يروي "بعدها، واظبت ولمدة 35 عاماً على صنع أحذية الملك الراحل الذي كان يحبّ الأحذية الكلاسيكية ذات اللون الأسود".
ويضيف بفخر "كان يدعوني في الأعياد والمناسبات وعلى الفطور في رمضان، ومنحني وسام الاستقلال تكريما لمسيرتي الطويلة".
صنع في عمان
ويتابع القبطي، أن الملك حسين استدعاه مرة في العام 1964 بعد عودته من زيارة إلى فرنسا التقى خلالها الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول، وينقل عن الملك أن الجنرال ديغول سأله عن مصدر حذائه، فقال له الملك، وفق القبطي، "من عندنا، هذا شغل عمان"، مضيفاً "هكذا أوصاني الملك أن أصنع حذاءين لديغول كهدية، وأتذكر أن المقاس كان كبيراً".
ويؤكد القبطي أنه صنع أحذية أيضا للملك الحالي ولمعظم الأمراء والأميرات في الأردن ورؤساء الوزراء والوزراء والنواب والأعيان والقادة العسكريين، مضيفاً "كانت لدينا سمعة كبيرة بالبلد والكل كان يرغب ببساطة في امتلاك حذاء مفصّل يدوياً".
لكن لم يتبق من زبائن القبطي الذي كان يصنع في اليوم الواحد 200 زوج حذاء، اليوم إلا عشرة فقط، ما دفعه إلى الاتجاه نحو تصنيع الأحذية الطبية وأحذية الأطفال.
كان القبطي يستورد الجلود من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، في محله الذي يضم على رفوف مئات قوالب الأحذية التي غطاها التراب، تفوح رائحة الجلود.
ويقول القبطي "بقينا متمسّكين بتقاليدنا وبشغفنا وعزمنا على مواصلة هذا العمل الذي لا يوفّر دخلاً كافيا" مع ارتفاع الإيجارات وكلفة الحياة الغالية. لكن المتجر صامد بفضل زبائنه الأوفياء. "عندي زبون يأتيني منذ خمسين عاما، فكيف لي أترك هذه الحرفة؟".
وبحسب نقابة تجار الألبسة والأحذية والأقمشة، كان الأردن يستورد سنوياً قبل جائحة كوفيد-19، أحذية من الخارج بحوالى 44 مليون دينار (62 مليون دولار).
وكان هناك حوالي 250 مصنعاً ومشغلاً يعمل فيها نحو خمسة آلاف عامل لم يتبق منهم اليوم سوى حوالي 100 مصنع ومشغل وأقل من 500 عامل، أغلبهم تركوا المهنة واتجهوا ليعملوا في مهن أخرى.