جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

"عساكم ما نسيتوني... عساكم"

صورة بعنوان: MicrosoftTeams-Image
download-img
download-img
أحمد البيرق
عند انتشار نبأ اختفائه، أو أسره إبان الغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة، في بداية تسعينيات القرن الماضي، لم أكن أتجاوز الثالثة عشرة من عمري، لذلك لم أكن أعرفه جيداً، إسماً أو حتى شكلاً، على الرغم من معرفتي الجيدة بكلماته، التي كان يُدندن بها الصغير قبل الكبير، وخصوصاً تلك التي قال فيها: " يللا خلنا نروح يللا، يللا خلنا نروح يم نجمة وقمر". قادتني المشيئة لزيارة الكويت، وحضور الفيلم السينمائي الكويتي "حبيب الأرض"، - كنت مستعداً لمغادرة قاعة العرض في أية لحظة لو شعرت بأني غير منجذب للفيلم، لأنني لست من عشاق الأفلام السينمائية مطلقاً على وجه الخصوص. دارت بَكَرَةُ الفيلم، وكانت أول كلمة به "أحب الكويت"، -  ومن لا يعشق الكويت؟! - ... الفيلم يُظهر مدى عظمة الكويت، بكل ما قدمته وتقدمه للخليجيين والعرب ودوّل المنطقة، وبكل ما تحويه من مبدعين وعلماء وفنانين وأدباء. يُظهر الفيلم مدى تقدير الكويت لمبدعيها، واعتزازها بهم، يُظهر عمقها الثقافي، يُظهر طيبة وإنسانية الأنفس التي تسكنها، يُظهر عظم الكويت، في الشخصية المحورية للفيلم، الفنان الأديب الشاعر/ فائق عبد الجليل. هو يقول عن نفسه: "أنا العاشق"، ولكن العشق بحاجة إلى شعور، فيرد قائلاً: "أنا الشاعر"، وهل هناك شاعرية من دون إنسانية؟، ويزيد: "أنا الإنسان" ... هو ذلك فائق عبد الجليل. أفكاري تأخذني يَمنة ويَسرة، تاهت وتوَّهت معها قلمي، لا أعرف أأحدثكم عن فائق عبد الجليل الشخص/ الإنسان؟ أم عن فائق عبد الجليل "الفيلم"؟ كلاهما أبهرني، وما أبهرني أكثر وأكثر، وجعلني أكثر ارتباطاً بالفيلم وبشخصية فائق، ودفعني دفعاً لكتابة هذه الأسطر... هو ذلك الفنان الذي لم أجد مثيلاً له، خليجياً أوحتى عربياً، وأكاد أجزم بأنه من "كوكب هوليوود" وليس من كوكب الدراما الخليجية والعربية، فيصل العميري "الفنان المهذب"، الذي قام بتقديم شخصية فائق عبد الجليل، كان محترفاً في تقمص الشخصية، صادقاً واقعياً غير متكلف، جعلني أشعر وكأنني فارس بن فائق عبد الجليل، من شدة ما قربني لهذه الشخصية وقربها إلي. تفاصيل جميلة أخرى وظفها الذكي رمضان خسروه سيناريست ومخرج الفيلم، حين بيّن للمشاهدين إلى أية درجة كان الشاعر المبدع منظماً في حياته، يَمقتُ الفوضى، محباً لعمل الخير وإعانة المحتاجين، داعماً للإبداع والمبدعين – على الرغم مما تعرض له من إحباط في بداياته  -الإحباط الذي قاده للاستعانة برجال الشرطة لكي يحصل عن طريقهم على حق نشر قصائده، لإيمانه الراسخ، بأن "الشرطة في خدمة الشعب". ولأن المسرح هو"أبو الفنون"، فقد أسس فائق عبد الجليل بمعيّة مجموعة من شباب الكويت فرقة المسرح الكويتي الذي ترأسه لفترة، ومن خلاله نشر كثيراً من قصائده، فالمسرح حاضن لمختلف أشكال وأنواع الإبداع الفني والأدبي، ولأن "فائق" فنان من طراز نادر، فقد قال عن الفن: "الفن ليس للتسلية... بل هو رسالة تخدم الذوق العام". بالنسبة لي ولأبناء جيلي - ليس الإماراتيين فقط بل الخليجيين - ارتبطتْ كلمات فائق عبد الجليل بأسماء لامعة من كبار المطربين، أمثال طلال مداح، محمد عبده، رياض أحمد، أبو بكر سالم، عبادي الجوهر، سمعنا تلك الكلمات منهم، ولم نلتفت لكاتبها ومبدعها، فهو القائل: يلاحقني الورق تاخذني هموم الوقت من وقتي اسكت والسكوت انتِ احاول والحلول أنتِ شسولفلك وأنتِ سالفة صمتي وقال أيضاً: طيب وصدقت الحكي غلطان غرتني العيون ما ادري ان الناس في لحظه تحب والنَّاس في لحظه تخون الناس آه يا الناس حتى في المحبه يكذبون كان الغزو الغاشم لدولة الكويت العام 1990 بداية مرحلة جديدة، للشاعر المبدع الأديب فائق عبد الجليل، أصبح فيها القلم سلاحاً، والكلمات رصاصاً، حطم بشاعريته الحدود، وقدم الوعود، وَقّاد مقاومة الصمود، وطلب منه الأصحاب مغادرة البلاد فقال:" لا يا وطن... لازم أعود... أنت المحبه ولَك أنا بكل شي أجود... لازم أعود... عند الحدود أمي وأم عيالي هم شمس الوجود". ما الذي يدعوه للبقاء فيها على الرغم مما صار وجرى، ورغم ما آلت إليه الحال، ماذا عندك هناك؟ فقال: عندي الكويت، وشوية كتب، ووايد ذكريات. كان قد أعطى زوجته - التي انتقلت للإقامة في دولة الإمارات - عهداً بأن يكون بينهم ذات يوم، وأدرك بعدها بفترة أنه لن يقدر على الإيفاء بعهده، فكتب لها في مذكراته - عسى أن تلقاها يوماً فتكون لها طمأنينة وسكينة": حتى ساعة الفرج "، فأي فرج ترتجي الزوجة؟ وأي فرج قصد الزوج؟ ... وجاء الفرج، وعادت الكويت، وغاب الشعر والشاعر، فائق الروعة والجمال. ما نطلع منها ما نطلع صوت الحق أقوى من المدفع ما نطلع منها ما نطلع تغيب الشمس وترجع تطلع ما نطلع منها ما نطلع مد عروقك مثل السدره أمسك ارضك وازرع بذره علم كل عيال الديره واحدهم فيها عن عشره أبشّرك يا من قلت: "يراودني أمل في ليلة ألقاكم ... واطرز بالفرح أحزان فرقاكم ... عساكم ما نسيتوني عساكم ... وعسى ما مر هوى بعدي وخذاكم "، ان الكويت وأهلها، والخليج وأهله، وكل من ربطتك بهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة، لم ينسوك ولن ننساك. شكراً الشيخة انتصار سالم العلي الصباح، شكرًا فريق عمل "حبيب الأرض"، شكراً دولة الإبداع والفن الكويت الشقيقة، شكرًا للقدر الذي عرفني بفائق عبد الجليل. حبيب الأرض يا أنتَ إذا شفت الحزن طوَّق طريق البيت إذا شفت الخطر قادم تهجَّى بس اسم الكويت
July 26, 2015 / 12:22 AM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.